بقلم: أسامة غريب
في ذكرى الأستاذ هيكل التي تحل هذه الأيام لا بد من الإشادة بمواهبه المتعددة والاعتراف بشطارته التي جعلته يتفوق على كل أقرانه ويبزهم لينال مكانة صحفية سامقة يستحقها بكل تأكيد. هل يمكن أن يصدق أصحاب شهادات الدكتوراه الفالصو الذين تعج بهم البلاد والذين لا يقوى الواحد منهم على كتابة جملة سليمة بأى لغة أو قراءة بيت شعر بأى لغة.. هل يصدقون أن الأستاذ محمد حسنين هيكل لم يحصل سوى على شهادة دبلوم التجارة. حدث ذلك في زمن كان حامل الشهادة الابتدائية فيه يعتبر من المثقفين. استطاع هيكل أن يحقق نجاحًا صحفيًا في زمن الملكية ونال جائزة فاروق الأول للصحافة ثلاثة أعوام متتالية، بمعنى أن الزعم بأن قربه من عبدالناصر هو الذي منحه التفوق بقوة السلطة هو زعم باطل.. يدل على ذلك أيضًا أن السادات عندما أقصاه عن رئاسة تحرير الأهرام عام 1974 فإن ذلك لم يعتبر نهاية مشواره الصحفى لكنه استطاع تدشين عصر جديد بزغ فيه نجمه كمؤلف لكتب هامة نشرت بأكثر من لغة واستطاع بها الوصول لقراء جدد في بلاد مختلفة، وهو في هذا يختلف عن رؤساء تحرير الأهرام والأخبار والجمهورية المزمنين الذين قبعوا على مقاعدهم عشرات السنين في زمن مبارك، فلما تم تغييرهم انطفأوا وتلاشوا ولم نقرأ لأحد منهم مقالًا واحدًا في أي مطبوعة، بمعنى أن صحيفة واحدة في أي مكان بالعالم العربى لم تطلبهم للكتابة بها وذلك لإدراك الجميع أنهم مفلسون فكريًا وصحفيًا وأن وجودهم على القمة كان قسريًا رغم أنف المجتمع وبقوة السلطة وحدها. هيكل لم يكن من هذا النوع.. كان موهوبًا ذكيًا وقد استفاد من قربه من صناعة القرار وساهم في صنعه على زمن عبدالناصر والسادات، ولقد أتاح له هذا القرب إمكانية التعرف على أهم زعماء ومفكرى العالم جيلًا وراء جيل. كان هيكل محظوظًا بالعمر المديد الذي عاشه فمكنه طول البقاء من أن يحقق الكثير، وهذه مسألة مهمة بالنسبة للمبدعين.. مسألة الوقت.. هناك من الموهوبين من ينقصف عمرهم في بداية المشوار فلا يحققون ما كانوا خليقين بإنجازه لو أن العمر امتد بهم. وعلى الرغم من انفتاح هيكل على كل المدارس الفكرية في الاقتصاد والسياسة فإنه لم يكن في أي وقت من الأوقات مناصرًا لقضية الديمقراطية في مصر والعالم العربى وكانت لديه دائمًا تخريجات فلسفية بدت مقنعة استفاد فيها من ثقافته وقدرته على الإبهار لكنها كانت في خلاصتها تمثل نفس رأى عمر سليمان وأحمد نظيف في استحقاق المصريين للديمقراطية!.
لا أنكر إعجابى البالغ بقدرات هيكل وترفعه على دخول المعارك مع من لا يدانونه قيمة وقامة، ولا إعجابى بطريقة استخدامه لأرشيفه الضخم في مواجهة الخصوم وكذلك قدرته على إحراز الأهداف طوال سبعين عامًا.. المشكلة الوحيدة هي أن أهدافه كانت دائمًا في مرمانا!.