بقلم: أسامة غريب
عندما تستمع إلى أغنية «يا رايحين الغورية» بصوت عبد الحليم حافظ بعد أن استمعت إليها بصوت محمد قنديل تدرك أن عبد الحليم كان محقاً عندما طلب من الراديو عدم إذاعة تسجيله للأغنية، ذلك أن أداء محمد قنديل كان أروع بكثير. ويبدو أن الأغنية التى كتب كلماتها محمد على أحمد ولحنها كمال الطويل كانت مغرية بالنسبة لحليم فظن أنه سيتألق فيها، لكن نظراً لحساسيته ونفاذ بصيرته الفنية فقد أدرك سريعاً أن المقارنة لن تكون لصالحه فكفى على الخبر ماجوراً وقام بدفنها!.
قد يعيدنا هذا إلى سؤال لطالما سمعناه فى حياة محمد قنديل عن أسباب عدم تقدمه الصفوف وتبوئه المكانة التى يستحقها بالنظر إلى صوته الجميل وموهبته الفذة. هذا السؤال كان يجد دائماً إجابة جاهزة تتحدث عن سوء البخت وعدم التوفيق وذوق الجمهور، وهى نفس الردود التى كانت شائعة عند السؤال عن سعاد محمد صاحبة الحنجرة الذهبية ولماذا لم تنافسى اعتلاء عرش الغناء أو على الأقل تكون لها نفس مكانة وجماهيرية وردة وفايزة ونجاة وشادية. فى الحقيقة لم تقنعنى أبداً هذه النوعية من الإجابات رغم تسليمى بوجود دور للحظ فى شهرة الفنان، لكننى أعتقد فى حالات مثل قنديل وسعاد محمد أن السبب يرجع إلى عدم قدرتهما المالية على الدفع للملحنين بسخاء فيحصلون على أفضل ما لديهم. لقد كان فى استطاعة عبد الحليم أن يحصل طوال الوقت على أجمل نغمات جادت بها قريحة عبد الوهاب والموجى وبليغ والطويل، وذلك للقدرة المالية التى توفرت له بفضل ألحانهم فأصبح باستطاعته بعد ذلك أن يدفع لهم، والأمر نفسه ينطبق على أم كلثوم.
لا أحد بطبيعة الحال يشكك فى قيمة أم كلثوم أو عبد الحليم أو يجادل فى موهبتهما وذكائهما، لكن حرمان قنديل وسعاد محمد- معظم الوقت- من موسيقات مشاهير التلحين قد ثبّت مكانهما فى الصف الثانى، ولعل بعض أغنيات حليم مثل موعود وقارئة الفنجان وفاتت جنبنا كانت تحقق مع محمد قنديل نجاحاً مدوياً لو أنها كانت من نصيبه. ولا ننسى أن نجاة الصغيرة قد وجدت نفسها فى مأزق فى الفترة التى كان بليغ فيها يهتم بزوجته وردة دون غيرها ومحمد سلطان يرعى زوجته فايزة.. فى ذلك الوقت لم ينقذ نجاة سوى ألحان كمال الطويل. وأتصور أن نجاح فريد الأطرش فى الاحتفاظ بالضوء حتى النهاية يعود إلى أنه كان يلحن لنفسه وإلا وجد نفسه محروماً من ألحان أصدقاء عبد الحليم الذين نادراً ما كانوا يتعاملون مع أحد يمكنه أن ينافس صديقهم، وكذلك لأن مائدة فريد العامرة كانت مثل مائدة عبد الحليم.. مفتوحة دائماً للصحفيين! أقول هذا على الرغم من أن محمد قنديل غنى من ألحان موسيقيين كبار مثل محمود الشريف وأحمد صدقى وسيد مكاوى، إلا أن هذا لا يغير من رأيى.. الفلوس فى اليد أو وجود الكفيل الراعى هما الأساس إذا تساوت المواهب أو تقاربت!.