بقلم: أسامة غريب
بعد إلغاء القوى العاملة، التى كانت تساعد الخريجين والذين يحتاجون للعمل، اضطربت الأحوال الاجتماعية بشدة، وظهرت إلى الوجود مجموعة من المهن لم تكن معروفة من قبل، مثل مهنة منادى السيارات، التى أصبحت تجتذب حملة الشهادات بأنواعها لما توفره من دخل كبير يتقاسمونه مع النواطير!. مهنة أخرى نمت وازدهرت هى قيادة التوك توك التى دخلتها فئات كثيرة من المواطنين منهم الخريجون الجدد، والذين تم تسريحهم بعد بيع المصانع والشركات، كما اجتذب التوك توك أيضاً جانباً لا بأس به من العمال والصنايعية الذين كانوا فى سبيلهم ليصبحوا عمالاً مهرة بالورش والمصانع لكنهم آثروا السنكحة والانطلاق فى الشوارع مع العودة بمائة جنيه آخر اليوم، وهو المبلغ الذى كانوا سيأخذونه فى أربعة أيام فى الورشة!.
لم تكن هاتان المهنتان هما الوحيدتان اللتان خرجتا من رحم البطالة، ولكن هناك مهنة أخرى ظهرت للوجود ولم نكن نعرفها زمان، هذه المهنة الجديدة اسمها الخبير أو المحلل الاستراتيجى، وهى فى الحقيقة شغلانة عجيبة، لا توجد إلا فى المجتمعات البائسة، عند الغلابة وفاقدى الحيلة أو السكارى بدون شراب.. أولئك الذين شخرمتهم الحياة وعصفت بهم، ثم أوقعتهم فى حبائل أناس يشبهونهم فكرياً، غير أنهم يمارسون الدجل آناء الليل وأطراف النهار، ويتوجهون إلى الاستوديوهات ليضخوا فى آذان الناس أسخف ما يمكن قوله لقاء ثمن الدخان والنشوق!.
والسادة المحللون الاستراتيجيون هم فى الغالب موظفون على المعاش تأثر دخلهم بعد ترك الخدمة، وليس مستنكراً بالطبع سعيهم وراء زيادة الدخل، فأكل العيش شىء مشروع ولا غبار على التماسه، لكن المشكلة أنهم فى سعيهم هذا يثيرون نقمة المثقفين ويصيبون البسطاء بالصداع ويشوشون تفكيرهم ويزيدونهم حيرة على حيرتهم. والملاحظ أن هذه الأصناف تجمعها سمات عامة مشتركة هى قلة الحصيلة من العلم والمعرفة، وغياب ملحوظ للثقافة والحس النقدى، مع مقدرة لا بأس بها على التمثيل والأداء المسرحى الزاعق وحفظ أعمى لمصطلحات امتنع تداولها منذ عقود، وترديد ببغائى لأكليشيهات كان يكتبها هيكل فى الستينيات ثم توقف عن استخدامها بحكم الخبرة والتجربة!.
وهنا أود التنويه بأننى وبرغم ضيقى بمنادى السيارات الذين يفرضون أنفسهم على أصحاب السيارات ويأخذون الفلوس بالغتاتة والإلحاح، فإننى فى النهاية لا أستغنى عنهم حتى أضمن حراسة السيارة، كذلك رغم استيائى من التوك توك الذى يزحم الشوارع ويمشى عكسياً طول الوقت فإننى أقدّر أنه يقدم خدمة يحتاجها الناس..أما الإخوة الاستراتيجيون فلا أتعاطف معهم رغم ظروفهم وكثيراً ما أتساءل بصدق لماذا يصرون على التحليل الاستراتيجى ولا يجربون العمل فى التحليل التكتيكى؟. أعتقد أن وظيفة خبير تكتيكى ليست بالسوء الذى يتصورونه!.