بقلم : أسامة غريب
هل كان الإيرانيون سُنّة على زمن الشاه رضا بهلوى؟. ألم يكونوا شيعة أيضًا؟.. فلماذا إذن كان الود والغزل والعلاقات الطيبة بين العرب وإيران؟، ولماذا لم يكن الإعلام العربى يصف شعب إيران بالمجوس والصفويين، وهى تسميات مضحكة على أى حال لأن المجوس كانوا يعبدون النار، بينما إيران الحالية تدين بالإسلام، وكذلك لأن الدولة الصفوية التى حكمت إيران منذ عام ١٥٠١ حتى عام ١٧٨٥ ليست سُبة، مثلما أن وصف شعب بأنه أحفاد العثمانيين أو الأمويين أو العباسيين ليست سبة أيضًا؟. ولو أن بوصلة إيران توجهت نحو صداقة الولايات المتحدة وإسرائيل لعادت إلى الحضن العربى من جديد!.
ليس هذا فقط، ولكن السلفيين الذين يقفون فى وجه السياحة الإيرانية إلى مصر قد يعملون وقتها مرشدين سياحيين لزوار أضرحة آل البيت!. وإذا كان الموضوع فعلًا هو سُنة وشيعة، فهل قام هؤلاء بنصرة أهل غزة من المسلمين السُنّة؟. لقد أسهم بعض رجال الدين فى العالم العربى بنصيب وافر فى هذه الفتنة بعدما فُتحت لهم الخزائن، فاستجابوا لاستدعاء المذهب والطائفة لحسم الخلاف السياسى. واليوم، بعد أن تلاشى تأثير الأفكار المتشددة فى بلاد المنشأ إلى حد كبير، فإن العداء السافر للمقاومة ولدولة إيران، وهى فى حالة حرب مع إسرائيل، أصبح يستند إلى أسس جديدة غير أسطوانة روافض وكفار ومعادين للصحابة، وفى هذا المضمار لم تتأخر وكالة المخابرات الأمريكية عن ضخ مفاهيم جديدة تتعلق بالهلال الشيعى، الذى سيبتلع العالم العربى وعن وجوب إقامة الحلف الإبراهيمى فى وجه إيران.
العجيب أنه من بين مَن يصرخون من الخطر الشيعى أحزاب وطوائف لبنانية كتائبية وقواتية لا علاقة لها بالإسلام ومذاهبه، وإنما لها علاقة بإسرائيل، وهى تتوق لتكرار احتلال بيروت كما حدث عام ١٩٨٢. وقتها، نجحت إسرائيل بقيادة شارون فى فرض رئيس لبنانى فى ظروف قريبة مما تعيشه لبنان حاليًا، ولعل هذه القوى تأمل فى أن يكرر الاحتلال الإسرائيلى ما فعله قبل أربعين عامًا، ويضع على رأس الدولة اللبنانية حليفًا مطيعًا يعادى المقاومة وينفذ الأجندة الإسرائيلية. إن المثير للأسى، ونحن ننظر للوضع العسكرى فى لبنان، أن نرى أن إسرائيل تواجه وضعًا صعبًا فى الجنوب، وتتكبد خسائر كبيرة، بينما فى بيروت تفعل كل ما تريده من قصف وتدمير وعمليات اغتيال. السبب الذى يؤسفنا أن نقوله هو أن الجنوب لا يضم أى بعثات دبلوماسية أجنبية، بينما العاصمة تعج ببؤر التجسس الدبلوماسية بمُعَداتها التقنية، التى تعمل فى خدمة العدو بمساعدة لبنانيين للأسف.
للمرة الألف، نقول إن إيران لها مشروع نهضوى ولها أجندة تخصها، ولكن لعله من حسن حظنا أن عدوها الذى يتربص بها هو نفسه عدونا، الذى وجدت فيه إيران المحاصَرة العدو المثالى الذى يُشبع العداء معه العاطفة الدينية، ويحفز تحديه كل ملكات الخلق والابتكار، وإلى هذا العداء يعود الفضل فى التقدم التقنى والصناعى والعسكرى الذى حققه الإيرانيون.