بقلم: أسامة غريب
تعتبر مناشدة الرئيس التركى حلف الناتو أن يتدخل إلى جانبه في الصراع العسكرى في الشمال السورى حول محافظة إدلب أمرًا شديد الغرابة، إذ إن تركيا لا تواجه عدوانًا تحتاج فيه لنصرة الحلفاء لكن الجيش التركى هو الذي يعتدى على الأرض السورية وما زالت آلياته ومدرعاته تتدفق عبر الحدود لمواجهة الجيش السورى الذي أحرز في الأيام الأخيرة تقدمًا ميدانيًا لافتًا ونجح أخيرًا في السيطرة على طريق حلب دمشق. إدانة العدوان التركى على الأرض السورية لا علاقة له بالموقف من بشار الأسد، كما أن الخوف من تدفق سكان محافظة إدلب إلى داخل الحدود التركية هو أمر لا شأن لأحد به سوى أردوغان نفسه وهو الذي وضع بلده في هذا الموقف عندما فتح حدوده لتنظيم النصرة ولمجموعات جهادية قادمة من آسيا الوسطى ومن تركستان الصينية، وهو الذي شكل ما يسمى الجيش السورى الحر وقام بتزويد ميليشياته هذه بالسلاح من أجل فرض واقع جديد يعمل لصالحه على الأرض السورية، والآن بعد أن فشلت الميليشيات في صد هجوم قوات النظام السورى وتوالى انسحابها من خان شيخون ومعرة النعمان وأخيرًا سراقب فإن الرئيس التركى يدفع بقواته لمنع تقدم القوات السورية. وأعتقد أن التدخل التركى في هذا التوقيت غير محمود العواقب بالمرة، وقد كان يمكن له أن يكلل بالنجاح لو أنه تم سابقًا عندما كان الوضع الدولى والإقليمى مختلفًا قبل قدوم القوات الروسية وقبل التدخل الإيرانى الكثيف وعندما كان حلفاء أردوغان في الخليج يزودونه بالمال والمتطوعين التكفيريين وحين كان الجيش السورى مهلهلًا يلملم أشلاءه ويفقد جزءًا جديدًا من الأرض كل يوم ولم يكن حزب العمال الكردستانى قد وثق تحالفه مع الأمريكان، وكان الوضع في الداخل التركى أكثر تماسكًا وتوافقًا على الحلم الأردوغانى قبل أن تشتد المعارضة وتناوئ كل خطواته داخليًا وخارجيًا.
الموقف كله مؤسف والضحايا هم أبناء الشعب السورى، والطيران الروسى لا يبالى بأرواح المدنيين في سعيه لتمكين جيش بشار من استرداد المناطق التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية، ومن الواضح أن شهر العسل بين بوتين وأردوغان قد انتهى بعد أن ماطل الأخير طويلًا في تنفيذ تعهداته في اتفاق سوتشى بإبعاد الإرهابيين عن إدلب من أجل فتح الطريق الدولى، وأتصور أن الرئيس التركى قد عانى تمزقًا بين تنفيذ تعهداته وبين بسطه الحماية على التكفيريين طوال السنوات السابقة، وذلك لأنه يدرك أن التفريط في ميليشياته قد يفقده مصداقيته بينهم ويتركه بدون سند على الأرض السورية، وقد ينعكس أيضًا على نفوذه في ليبيا. الخيارات الآن ضيقة أمام أردوغان، وإغراء استخدام جيشه بقوة في سوريا قد يكون فخًا أمريكيًا روسيًا، خاصة أنه يدرك أن الناتو لن يقدم له سوى الدعم اللفظى ويدرك أيضًا أن السلاح الذي ضنت به روسيا على بشار الأسد في مواجهاته مع إسرائيل سيكون متاحًا جدًا إذا كان العدو هو تركيا!.