بقلم - أسامة غريب
فى مذكرات الدكتور مصطفى الفقى التى نشرت الصحف مقتطفات منها، قرأت فقرة يروى فيها استقباله للسيدة هدى عبد الناصر فى مطار هيثرو فى بداية عام 1973 عندما كان يعمل بالسفارة المصرية فى لندن. يقول الفقى: «عندما تصفح ضابط الجوازات فى مطار هيثرو جواز السفر الدبلوماسى للسيدة هدى عبد الناصر نظر إلىَّ وقال بلهجة حازمة (هل هى قريبة الرجل العظيم نفسه) دون أن يذكر الاسم، فقلت له (نعم.. إنها ابنته الكبرى) فوضع على جواز السفر ختمًا بالإقامة المفتوحة، ووجهنا إلى صالة كبار الزوار حتى تحصل على حقائبها، يومها أدركت أن الخصم القوى يكون محل احترام أكثر بكثير من صديق ضعيف التأثير محدود الإرادة».
فى الحقيقة أن الموضوعات التى تدور أحداثها فى المطارات بالخارج تثير انتباهى حيث إننى عملت مديرًا لمصر للطيران فى أكثر من بلد خارجى وأعرف كيف يكون العمل فى مطارات أوروبا وأمريكا. من الممكن لموظف فى السفارة المصرية أن يحصل على تصريح بدخول مطار هيثرو بمساعدة مدير مصر للطيران أو بخطاب من السفارة لوزارة الخارجية، لكن اصطحاب هذا الموظف لأحد الركاب حتى يصل إلى الجوازات هو أمر مشكوك فيه ولا يفيد الراكب، ذلك أن موظفى الجوازات والجمارك «يركبهم مائة عفريت» لو وجدوا الراكب قادما وبصحبته واسطة.. كانوا يعتقدون عندئذ أنه يحمل ممنوعات أو أن تأشيرته مزورة حتى لو كان جوازه دبلوماسيًا!.. لكن ربما أن مطار هيثرو فى عام 1973 كان الوضع به مختلفًا. ومع ذلك فقد استوقفنى فى الحكاية أن موظف الجوازات عندما تصفح باسبور السيدة هدى عبد الناصر فإنه تجاهلها وهى صاحبة الشأن وتوجه بسؤاله إلى الشاب الواقف إلى جوارها!.. أليس غريبًا أن الموظف الذى يريد أن يتحقق من معلومة بشأنك يسأل عنها شخصًا لا علاقة له بالموضوع بينما أنت شاخص أمامه؟. ثم ما حكاية أن السؤال أتى مرفوقًا بنظرة حازمة؟.
أى حزم يحتاجه سؤال كهذا؟.. ثم نأتى إلى السؤال ذاته:«هل هى قريبة الرجل العظيم نفسه».. لقد كان من الممكن للواقعة أن تكون مقنعة لو أنها حدثت فى مطار كوناكرى أو باندونج أو بلجراد حيث لعبد الناصر جماهيرية كبيرة فى ذلك الوقت، أما فى لندن فإن النظرة لرئيسنا الراحل لم تكن تختلف عن نظرتهم الحالية لصدام حسين أو معمر القذافى. كذلك لا يوجد شىء اسمه فيزا مفتوحة، فالختم الذى يضعونه يكون محدد التاريخ مهما كان الموظف الإنجليزى بحبوحًا ومحبًا للزعيم الخالد!. لكن الأغرب هو ما حدث بعد ذلك إذ إن موظف الجوازات قرر إدخالهم قاعة كبار الزوار بمطار هيثرو وهى فى الحقيقة قاعة ليس لها وجود!.. فضلًا عن أن موظف الجوازات لا يملك فتح قاعات لأحد حال وجودها. فى مطار هيثرو توجد صالونات لاستقبال ركاب الدرجة الأولى.
الفقرة التى كتبها الدكتور مصطفى الفقى تعبر عن تقديره للزعيم جمال عبد الناصر، لكن هذا التعبير عن المحبة كان يمكن أن يتم بوسائل أكثر إقناعًا وأقل درامية!.