بقلم - أسامة غريب
مبعوث الرئيس الروسى للتسوية السورية اسمه «ألكسندر لافرينتييف». هذا الرجل أدلى لصحيفة «كوميرسانت» الروسية بتصريح لطيف للغاية يدل على أنه رجل ابن نكتة أو ممن يهزلون فى موضع الجد.. فماذا قال؟.. لقد حذر سيادته من أن صبر حكومة سوريا إزاء غارات إسرائيل على أراضيها قد يستنزف عاجلًا أم آجلا، ما سيؤدى إلى توجيه ضربة مضادة، وأضاف: يجب وضع حد لهذه الغارات لأنها غير بناءة.
طبعًا، لم يحدد الأخ لافرينتييف متى سينفد صبر حكومة سوريا على تحمل الغارات الإسرائيلية التى لا تنقطع على كل مكان من الأرض السورية، إذ إن عمْر هذه الضربات يمتد لسنوات، والصبر لم ينفد بعد، فما الذى جدّ هذه الأيام ليعكر صفو الصبر ويقلق راحته؟، هذا فضلًا عن أن وصف المبعوث الروسى للغارات المدمرة ضد العمق السورى بأنها غير بناءة هو وصف جديد وغير مسبوق، حيث لم يحدث أن رأينا غارات بناءة فى تاريخ الحروب كلها، فالغارات لها وظيفة واحدة هى الهدم والتدمير، أما البناء فله أدوات أخرى!.. لكن يبدو أن الرجل قد تم تكليفه بوظيفة دون تزويده بوسائل أدائها، فوجد نفسه يتحدث عن وضع متأزم، حكومته هى سبب رئيسى فيه.
نعم.. الغارات الإسرائيلية المتتالية على المواقع السورية ما كان لها أن تحدث لولا الرضا والضوء الأخضر الروسى، بل إنها لا تحدث إلا بعد تبادل الاتصال والتنسيق والتأكد من أنها بعيدة تمامًا عن المواقع الروسية، ولتذهب سوريا وأبناؤها ومنشآتها وبناها التحتية إلى الجحيم. إن سوريا يا سيد ألكسندر لافرينتييف غير صابرة على الهجمات الإسرائيلية، لكنها فى حقيقة الأمر عاجزة عن ردها، لأن الحليف الروسى لا يزودها بالسلاح الذى يتيح لها الإغارة بالمثل على مواقع داخل العمق الإسرائيلى، ولو كانت تمتلك مثل هذه الأسلحة لما ترددت فى الرد. ليس هذا فقط، لكن الحليف الروسى لا يسمح لسوريا حتى بالدفاع عن نفسها باستخدام منظومة صواريخ إس 300 للدفاع الجوى، وكأن الروس أحضروا هذه البطاريات إلى سوريا من أجل المساومة مع الإسرائيليين، فلما حصلوا من إسرائيل على مبتغاهم، أغلقوا البطاريات ومنعوا الضباط السوريين من استخدامها!.
ولعل المبعوث الروسى يعرف أن الإسرائيليين فى هجماتهم على دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور والبوكمال، وغيرها من المناطق السورية، يتحرّون منتهى الدقة، خشية أن تصيب أحد رجال حزب الله اللبنانى، لأنهم يعلمون أن الحزب فى الغالب سيرد، ذلك أنه يعمل بمنتهى الجدية على إقامة معادلة ردع مع إسرائيل مؤداها أن الرجل بالرجل وقصف الموقع بقصف موقع. وربما أن ما ساعد حزب الله على هذا هو أن روسيا لا تدير أمره وتتظاهر بأنها تحميه، بينما هى فى الحقيقة تراقب وترصد كل طلعة طيران إسرائيلية تقتل أبناءه، من أول إقلاع الطائرات المغيرة حتى عودتها لقواعدها سالمة.
وبطبيعة الحال، لم تكن روسيا تستطيع أن ترتهن سوريا وتتحكم فى قرارها وتُلزمها بتلقى الضربات فى صمت لو لم يكن كرسى الحكم أغلى من دم أبناء الوطن السورى المغدور.