بقلم: أسامة غريب
لا أقول لقاءً سودانيًا إسرائيليًا، لأن مؤسسات الحكم فى السودان لم تعرف عنه إلا ما أعلنته الميديا الإسرائيلية. جاء اللقاء الذى جمع رئيس مجلس السيادة السودانى بـ«نتنياهو» فى الثالث من فبراير الحالى بمدينة عنتيبى الأوغندية صادمًا من حيث التوقيت والهدف، فبالنسبة للتوقيت جاء عقب إعلان صفقة القرن، التى تمنح إسرائيل حرية الاستيلاء على ما تشاء من أراضٍ عربية بموافقة جميع الأطراف، بما يعنى دهس كل قرارات الأمم المتحدة التى كنا نراها مجحفة فى حق الفلسطينيين، فإذا بها أمل لا نستطيع بلوغه، طبقًا لصفعة القرن التى لطمت وجه العرب بقوة. أما من ناحية الهدف فإنها تأتى فى سياق الصراع الداخلى على السلطة بين «البرهان» و«حميدتى»، فالاثنان ينظران إلى مجلس الوزراء والمجلس التشريعى بخفة بالغة، بعد أن انصاعا جزئيًا للحراك الثورى السودانى، وقبلا على مضض بنظام للحكم أقرب إلى النظام البرلمانى، تكون صلاحيات الحكم فيه لرئيس الوزراء على عكس النظام الرئاسى الذى يحوز الرئيس فيه كل الصلاحيات.. إذًا لا يملك «البرهان» شرعيًا ودستوريًا أن يخوض مع نتنياهو أو غيره فى أمور تتعلق بالتطبيع والسماح للطائرات الإسرائيلية بعبور المجال الجوى السودانى.
تأتى الغرابة أيضًا من أن الوثيقة الدستورية، التى تحكم الوضع السياسى بالسودان، تحدد ثلاثة مجالس، هى: مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس النيابى الانتقالى، وقد نصّت صراحة على أنه ليس للمجلس السيادى رئيسًا، وأعضاء أى سلطة تخول لهم الخوض فى أمور الحكم إلا ما يأتيهم من مجلس الوزراء أو البرلمان.. أى أن «البرهان» لا يحق له فى كل الأحوال أن يعقد اتفاقات أو يقيم معاهدات من وراء ظهر الحكومة والبرلمان، وكذلك من وراء ظهر نائبه «حميدتى»، الذى يُتوقع منه فى ضوء المعطيات الحالية أن يرد على «البرهان» بمحاولة قضم جانب من السلطة هو الآخر!.
بعد عودة «البرهان» من أوغندا، تم عقد اجتماع بين مجلسى السيادة والوزراء، وأصدر «البرهان» بيانًا قال فيه: تم بالأمس لقاء جمعنى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى فى أوغندا، وقد قمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتى بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطنى السودانى وتحقيق المصالح العليا للشعب السودانى. وقد ألحق «البرهان» فقرته هذه، التى لا معنى لها، بفقرة تبدو أقرب إلى الاعتذار عندما قال: «أؤكد أن بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل هو مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية».
الأمر المؤسف والمثير للأسى فى آنٍ هو أن الحاكم العربى أو حتى مَن يتصور نفسه حاكمًا، وهو ليس كذلك، بدلًا من أن يسعى للتقرب إلى شعبه، وبدلًا من أن يتنازل لصالح أهله وناسه، فإنه يهرع صوب معسكر الأعداء، حيث يدق أوتاده ويحفر بئرًا للماء، ثم تصير حياته ومستقبله رهنًا لرضا الأعداء عنه!.