بقلم: أسامة غريب
هناك من اللهجات العربية والمفردات المستخدمة ما يستسيغه الذوق المصري المحب لحلو الكلام، وقد يكون من الخير أن نتبنى الجمل العربية ذات الدلالة، وأن ندمجها في كلامنا المصرى فنثريه وندعمه، لكن من المؤسف أن ما اقتحم حياتنا هو الكلام العربى الركيك الذي دخل وفتح علينا الأبواب بقوة البترودولار. والمؤسف أن الإذاعة والتليفزيون عندما تردد هذا الكلام وتُلح عليه في الأغانى والمسلسلات فإنها تسرّع من معدل سريانه وانتشاره بين الناس، وتجعلهم يتعاملون معه على أنه كلام عادى له معنى!.
نستمع طوال الوقت إلى إعلانات الإذاعة والتليفزيون التي تعلن عن سلعة أو خدمة، وفى نهاية كل إعلان تأتى هذه الجملة العجيبة: للحصول على مزيد من المعلومات «اتصل على» تليفون كذا. نفس الجملة أصبحت كليشيها محفوظًا في المسلسلات المصرية يتداولها الممثلون طبقًا لنص السيناريو المكتوب. عندما استمعت إلى «اتصل على» هذه للمرة الأولى فكرت في أن أكلم المسكين صاحب الإعلان لأصحح له الجملة وأوضح لسيادته أنه بخصوص مسألة الاتصال هذه فإن الناس في بلادى من قديم الأزل وطوال عمرى وعمر أجدادى كانت تعرف كيف تتصل بفلان ولم يحدث أبدًا أن اتصلت عليه! ومن المعروف كذلك أن البعض يزعم اتصاله بالأرواح وبالجن والعفاريت لكن أحدًا لم يزعم أبدًا اتصاله عليهم!. وأنا في الحقيقة وبكل الصدق لا أعرف كيف يمكن للمرء أن يتصل على إنسان آخر، فالناس يُتصل بهم ولا يتصل عليهم. من الممكن جدًا أن أتعالى عليك، أتقدم عليك أو أتمرد عليك، كما يمكننى أيضًا أن أتحامل عليك، أتدلل عليك أو أتغابى عليك.. لكن أتصل عليك.. كيف؟. وطبعًا يمكن التحقق مما أقول بالعودة إلى أي قاموس عربى والكشف عن الكلمة.
وفى نفس السياق نجد أغنية للفنانة إليسا تحمل المشكلة ذاتها حين تقول في غنوة مصرية يُفترض أن مؤلفها المصرى يعرف كيف يتكلم أهله المصريين: «خُد بالك عليّا». لا أدرى حقيقة كيف يمكن للحبيب المصرى أن يأخذ باله عليها وهو الذي تعود طول عمره أن يأخذ باله منها!.
ربما يقول قائل إن هذه الكلمات هي تعبيرات خليجية شائعة وليس هناك ما يدعو لإظهار التعجب منها. ولصاحب هذا الرأى أقول: ليقدموها إذن في الأغانى الخليجية والإعلانات الخليجية، أما في مصر فالأمر غير مستساغ وغير لطيف.
ومع ذلك فهناك وجهة نظر أخرى للموضوع ربما تكون ذات وجاهة، وهى أن بعض شركات الاتصالات وفى إطار خدمات الجيل الرابع للمحمول أصبحت تقدم لعملائها هذه الخدمة الفريدة، فصارت تتيح للمشترك أن «يتصل على» الناس بعد أن كان في خدمات الأجيال السابقة يتصل بهم فقط!.