التسامح وقبول الآخَر

التسامح وقبول الآخَر!

التسامح وقبول الآخَر!

 صوت الإمارات -

التسامح وقبول الآخَر

أسامة غريب
بقلم - أسامة غريب

فى المدرسة كانت تنشب المشاجرات بين التلاميذ لأن بعضهم يروى للفصل عن أب فلان زميلهم الذى حملوه بالأمس مُتعتعًا من دكان مخالى إلى البيت، وهو فى حالة ضياع تام بحيث لم يقو على الذهاب للبيت بمفرده، أو يروى بعضهم عن خناقة نص الليل التى نشبت لأن أم فلان شتمت أباه الذى ترك البيت بدون مصروف، وذهب ليسكر بالفلوس عند مخالى. ولا أنسى جارة لنا كانت على خصومة مع الشقة المجاورة فانتظرت حتى عاد زوجها سكران وأوغرت صدره ضد الجيران، فما كان منه إلا أن تهجم على شقتهم وفى يده سكين، وكاد يرتكب مذبحة لولا تدخل ولاد الحلال!.

كل هذا كنت أسمعه وأشاهده فى الطفولة، لذلك فقد وقر فى ذهنى أن عالم مخالى هو عالم ساحر ملىء بالأسرار، وكانت تستهوينى خناقات الجيران وما يُحدثه مخالى من مشاكل فى البيوت لأنها تملأ الحياة الرتيبة بالأكشن!.

أحببت أيضًا غناء الرجال فى الليل وسمرهم ونكاتهم البذيئة وهم يشربون من البرميل، وكنت أستغل كل فرصة للنزول لقضاء احتياجات البيت حتى أمر بجوار دكان مخالى لأسترق النظر والسمع إلى رجال الحى الوقورين، ومعظمهم آباء أصدقائى وزملائى بالمدرسة، ومن بينهم الأستاذ «صالح» الموظف بوزارة الأوقاف، وكنا نسمعه عندما يشف ويستخفه الطرب يرفع عقيرته بأداء أغانى عبد الوهاب ومنها «مريت على بيت الحبايب» التى كان يعيد ويزيد ويقسّم فيها وسط استحسان رفاقه من ندماء الشراب. كانت تدهشنى الحالة الانبساطية التى كنت أرى عليها رجالًا بشوارب لا تجرؤ على الاقتراب منهم فى الصباح!.

لم يكن الخمر فقط هو سبب ابتعاد الناس عن الشراء من مخالى، فهذه الحالة السلفية من التدين المزعوم لم تكن مشتعلة وقتها، وقد كان الناس على أى حال يُقبلون على الشراء من وليم البقال فى الشارع الخلفى، وكان يبيع زجاجات الخمر أيضًا لكن لا يقدمها بالدكان. لم تكن المشاكل التى يسببها مخالى فى البيوت بين الرجل وأهله هى السبب الوحيد لنبذه، وإنما لأن الرجل كان شديد القذارة لا يتوقف عن البصق والتمخط طوال الوقت.. الله يخرب بيته.. ما زلت أشعر بالقرف كلما تذكرته.. كان ماكينة بصاق ومخاط متحركة.

كان يقف خلف الكاونتر فى الدكان ويطلق البصقة فتنزل حسب التساهيل.. مرة تسقط على قفص العيش الذى يضعه بالخارج، ومرة تسقط على مشنّة الجرجير، وأخرى على طبق الترمس أو صفيحة المخلل التى يقدم منها المَزة لزبائنه فى الليل. كنت وما زلت أندهش من المزاج الذى يعطل حواس الإنسان ويجعله لا يشعر بالقرف من الشرب عند واحد مثل مخالى، أو لا يفزع من تداول الجوزة مع رفاق تفوح من أفواههم رائحة العفن!.. لا بد أن المزاج والرغبة فى قعدة الأنس والصهللة تمنح الإنسان قدرة هائلة على التسامح والتغاضى وقبول الآخر.. المعفن!.. وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسامح وقبول الآخَر التسامح وقبول الآخَر



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates