بقلم: أسامة غريب
غرق الأستاذ فهمى فى التفكير من جديد.. لقد اعتدنا على مصريين أسماؤهم سعودى وعراقى ومغربى، كما عرفنا عائلات التونسى والشامى وحتى السويدى، أما رومانى هذا فشىء مختلف، لأن رومانيا الواقعة بالبلقان والتى تكونت كدولة فى نهاية القرن التاسع عشر بعد انفصالها عن الدولة العثمانية لا يربطنا بها تاريخ يسمح بمصاهرة وتزاوج.
أحضر فهمى الشاى والبسكويت وقدم للفتى كوبًا أخذ يرتشفه فى هدوء. يا رومانى.. يا ابن الناس، قل لى، فهّمنى.. هل لدى والدك أسباب لهذا الاسم؟ ما قولك أن تطلبه فى التليفون وأنا سوف أسأله وأفهم منه؟. قال هذا ثم مد يده وجذب عدة التليفون وناول الولد السماعة، لكن رومانى اعتذر قائلًا: والدى يعيش فى البلد بالصعيد وليس عنده تليفون. بدأ فهمى يشعر بالضيق، لكنه أكمل المحاولة: ألا يعرف أبوك أن الرومان الذين نسَبك إليهم قد اضطهدوا المسيحيين وقتلوا منهم الآلاف.. ألست مسيحيًا يا بنى؟ هزّ الولد رأسه بالإيجاب، ثم التقط قطعة بسكويت ومضغها فى تلذذ. استمر رومانى يرشف الشاى ويأكل البسكويت فى سعادة وكأنه لا يسمع ما يقال، بينما دخل فهمى فى نوبة حماس: ألم تسمع أنت وأبوك عن عصر الشهداء، حيث قام الإمبراطور الرومانى دقلديانوس بحملة تعذيب وقتْـل راح ضحيتها الكثير من المؤمنين الذين فضّلوا الموت على ترك المسيحية؟. رفع رومانى عينيه المغمضتين وقال بعد أن فرغ من الشاى: هل عندك ملابس أخرى آخذها معى للمحل؟. قال الرجل فى حيرة: أى ملابس وأى محل؟ ليس قبل أن نحل الإشكالية التى أثارها ظهورك فى بيتى اليوم!.
قام الأستاذ فهمى فمضى إلى المكتبة وانتزع كتابًا قلّب فيه بسرعة، ثم وقف عند إحدى صفحاته وأخذ يقرأ للفتى: إن دقلديانوس الذى حكم من 284-305 ميلادية كان أكثر الأباطرة الرومان قسوة ووحشية، حتى إن ضحاياه الذين لا حصر لأعدادهم كان من بينهم: مار جرجس والقديسة دميانة والأربعين عذراء والقديسة مارينا الشهيدة والقديس أبانوب النهيسى ومارمينا العجايبى والأمير تادرس المشرقى وجميع أفراد الكتيبة الطيبية. فرغ من القراءة ثم توجه إلى الفتى يسأله: ما قولك؟.. أبَعْد كل ذلك بدلًا من أن يسميك أبوك على اسم أحد القديسين أو الشهداء، إذا به يطلق عليك ببساطة رومانى، ثم يتركك تمضى فى الحياة وتواجه مصيرك.. إن من حسن حظك أن الناس تعيش الآن فى أزهى عصور الكسكسى وأن أحدًا فى هذا البلد ما عاد مدركًا لشىء وإلا لأشبعوك همزًا وسخرية.. إن رومانى هذا يا ولدى يوازى عند المسلمين أن يسمى أحد ابنه أبولهب على اسم المشرك الذى اضطهد الرسول وأصحابه، أو أن يسميه يزيد على اسم المجرم قاتل الإمام الحسين. ابتسم رومانى وأخذ يرمش، ثم قال يهدئ خاطر صاحب البيت المنفعل: حكاياتك حلوة يا أستاذ..احكِ لى واحدة ثانية، لكن الأول اعمل لنا دور شاى بحليب!.