بقلم - أسامة غريب
حين خطا بقدميه داخل كازينو مونتريال للمرة الأولى لم يكن يعرف أنه سيقع فى هوى المكان، وأنّ ندّاهة الكازينو ستأخذه فى أحضانها وتعقد معه علاقة حميمة ممتدة.
كان قد وصل إلى المدينة منذ أسبوع من أجل حضور لقاءات خاصة بالعمل، واستهلك الشغل المضنى أعصابه من الصباح الباكر حتى آخر الليل واشتدت حاجته إلى الترفيه. عند نهاية يوم الجمعة زاره صديقه الجديد جورج، وكان قد تعرف عليه فور وصوله. وجورج هو أحد المصريين الخواجات الذين قابل الكثيرين منهم فى كندا وأحبهم كثيرًا. أخذه جورج من يده داعيًا إياه إلى زيارة الكازينو الذى يُعد من معالم المدينة، ولحسن الحظ كانت «سيلين ديون» المغنية الكندية الشهيرة تُحْيِى حفلًا غنائيًا به تلك الليلة. والحقيقة أن «ديون» الساحرة كانت السبب الأساسى لقبوله الدعوة إلى السهر فى الكازينو الذى يقع فى جزيرة جميلة اسمها سانت هيلانة. للوصول إلى الكازينو عليك أن تقطع جسرًا طويلًا يصل بك فى نهايته إلى المبنى المميز، الذى يمكن للقادم من أول الطريق مشاهدته بأضوائه الساطعة فى الليل وحرابه الطويلة المدببة تعلو سطحه وكأنها تطعن الفضاء.
على الرغم من سفره منذ سنوات إلى لاس فيجاس، أكبر مدن القمار فى العالم، وقضائه أسبوعًا بها، فإنه لم يتورط بالمشاركة فى اللعب، واكتفى وقتها بالتمتع بالفرجة على جو الكازينوهات والفنادق ومراقبة اللاعبين حول الموائد ومتابعة انفعالاتهم أمام الماكينات، وكذلك تناول الطعام والشراب المجانى الذى تقدمه كبرى قلاع القمار هناك. كان كازينو مونتريال أنيقًا يشبه المدينة نفسها التى تكتسى بطابع فرنسى بحكم انتسابها إلى مقاطعة كيبك، وهى المقاطعة الوحيدة من بين المقاطعات الكندية العشر التى ينحدر معظم سكانها من أصل فرنسى، ولهذا يثور بينهم كل عدة سنوات حنين ورغبة فى الانفصال والاستقلال عن كندا، غير أن نتائج الاستفتاءات بين السكان دائمًا ما تفشل فى تحقيق حلمهم.
اعتبر سكان المدينة الكازينو منذ افتتاحه فى السبعينيات متنفسًا يقضون به سهراتهم أيام الإجازات وفى بعض نهايات الأسبوع، فيستمتعون بمطاعمه ومقاهيه ومحال بيع الهدايا والتذكارات به، وكذلك بالعرض الغنائى الذى يقدم ليلتى الجمعة والسبت. فى هذه الليلة تألقت سيلين ديون وأسعدت الساهرين فغنت وضحكت وبكت وأبكت الجمهور من التأثر. بعد الحفل واصل تجوله بالطوابق المختلفة للمكان وكلها تحفل بالموائد الخضراء، بعضها مخصص للعب الورق والآخر مصنوع من أجل الروليت، وبقية المساحات تنتشر بها المئات من ماكينات اللعب التى تُدار بالعملة.
اقترح عليه جورج أن يجرب حظه فى اللعب، لكنه لم يتحمس. قام جورج وأحضر بعض الفكة من العملة فئة ربع الدولار وأعطاه حفنة فى يده ووقف إلى جانبه يلعب ويُريه كيف يضغط على الزر بجانب الماكينة فتتحرك صفوف الصور فى عملية إعادة تفنيط ثم تستقر على وضع معين.. ونكمل غدًا.