بقلم - أسامة غريب
كانت غارات الأسبوع الماضى التى شنتها إسرائيل ضد بادية البوكمال ودير الزور هى الأعنف على الإطلاق، ويقال إن عملية إنزال غير مكتملة قد وقعت بالمنطقة، شاركت فيها قوات مشتركة لأكثر من دولة غربية بهدف القضاء على النفوذ والسلاح الإيرانى فى سوريا. واللافت أن إسرائيل تعمدت بعد تنصيب جو بايدن مباشرة أن تقوم بقصف صاروخى على منطقة حماة من أجل إيصال رسالة، مفادها أن تغيير الرئيس فى واشنطن لا يغل يدها عن العمل فى سماء سوريا وقصفها فى أى وقت تشاء. الواقع على الأرض السورية يقول إنه لا وجود حقيقيًا لما يسمى الدولة السورية، فهذا البلد العربى الأصيل تحتل إسرائيل جزءًا منه (هضبة الجولان)، كما تحتل أمريكا أجزاء أخرى (التنف على الحدود الأردنية ومناطق بشرق الفرات)، وتحتل تركيا الشمال السورى بأكمله تقريبًا، وتضع إيران يدها على المناطق المتاخمة للحدود العراقية، كما تحتل القوات الروسية ميناء اللاذقية ومدينة حميميم.. هذا بالنسبة للدول التى تحتل سوريا، أما بالنسبة للميليشيات المسلحة، فهناك الأكراد الذين يسيطرون بحماية أمريكية على مناطق شاسعة فى الشرق والشمال الشرقى، غير المناطق الخاضعة للدواعش بحماية خليجية أمريكية، فضلًا عن مناطق الجيش السورى الحر (التركى).
ماذا تبقى بعد كل ذلك للرئيس بشار الأسد؟.. الحقيقة أن الأسد يرأس جزءًا محدودًا من سوريا تحميه إيران وقوات من حزب الله إلى جانب القوات النظامية المنهكة. ولكن ماذا عن الدور الروسى فى حماية سوريا؟ هنا نأتى إلى بيت القصيد، فالروس لا تعنيهم سوريا ولا الشعب السورى على أى نحو، فكل ما يشغلهم هو القواعد العسكرية والموانئ التى وضعوا أيديهم عليها، وكل ما يضمنونه لسوريا هو إبقاء الرئيس الأسد على كرسيه، وحتى هذا الهدف على تواضعه لم يكن للروس أن يحققوه إلا بتوافق أمريكى إسرائيلى!.
وبصراحة مطلقة فإن هذا هو السبب فى أن الإسرائيليين يعربدون فى السماء السورية ويقصفون أى أهداف يشاءون دون وجود ما يردعهم، فالروس ليسوا معنيين بالدفاع عن سوريا، وبشار الأسد نفسه لا تقلقه الغارات على بلده مادامت لا تهز كرسيه، ولو كان ما أقوله خاطئًا فلماذا لا يستعمل صواريخ إس 300 التى حصل عليها من الروس بشق الأنفس فى الدفاع ضد الهجمات الإسرائيلية.. قد يكون الروس لم يعطوا التصريح باستعمالها، ولكن قبول الأسد بهذا الوضع يشى بصورية مكانته، كما يشى بأن روسيا لا ترحب بالوجود الإيرانى وربما تساعد إسرائيل من طرف خفى على تدمير مخازن السلاح الإيرانى بعد تحديد مواقعها. والإيرانيون أنفسهم لا تشغلهم سوريا إلا من حيث كونها معبرًا للسلاح إلى حزب الله وموطئ قدم يجاور الجولان، ليس بغرض تحريرها وإنما لأجل أن تكون خط دفاع أول عن طهران. وقد توضح هذه الصورة العبثية مساوئ الحكم الاستبدادى عندما تتواضع أهداف الأمة فتنحصر فى الإبقاء على الزعيم الافتراضى ولو على جثة الوطن!.