بقلم - أسامة غريب
قابلت صديقًا لى فوجدته ساخطًا حانقًا. سـألته: مالك؟ قال: الناس ما عادوا ودودين كما كانوا فى السابق.. أكثر من شخص أطلبه على المحمول فلا يرد، ومن المعلوم أن التليفون المحمول يبين بوضوح المكالمات الفائتة ويعرفك من الذى اتصل بك عندما لم يكن التليفون فى متناولك، لذلك فإننى أنوى مقاطعة أى شخص لا يحفل باتصالى أو يرد المكالمة.
قلت له: يا أخى.. هلا عذرت الناس، فربما كان من تطلبه مريضًا أو مشغولًا أو فى موقف صعب أو حالة نفسية لا تسمح له بالحديث مع أحد، فكيف تأخذ منه موقفًا حادًا لهذا السبب البسيط مع أن خير الناس أعذرهم للناس؟. قال: ليس عن هذا أتحدث، وإنما أقصد الإهمال العمدى فى الرد، أتحدث عن شخص لديه انتفاخ نفسى فيتعامل باستهانة مع الآخرين، متصورًا أن الناس ستتحمل قلة ذوقه طالما كانوا محتاجين إليه.. شخص هو نفسه لديه استعداد للحس بلاط من يحتاج إليهم!
فكرت فيما يقول هذا الصديق وأحسست بتعاطف مع موقفه، ومع ذلك رأيت أن أبصّره بأن صعوبة هذا التوجه تكمن فى أنه يتعارض مع السلوك العملى الذى يتدرب عليه الناس طيلة أعمارهم لدرجة أنهم أصبحوا الآن يأخذون فيه دورات وكورسات تعلمهم ماذا يفعل الإنسان الذى يرغب فى علاقات طيبة ومصالح سالكة مع الآخرين. زدت على ذلك بأن كتب التنمية البشرية التى يتعلق بها الناس بشكل مجنون، والتى تداعب أحلام الشباب فى كيف تكون مديرًا ناجحًا، وكيف تكون جذابًا للجنس الآخر، وكيف تصبح مليونيرًا فى زمن قياسى، تلك الكتب التى تعلم الناس إرشادات السلوك وتحقيق النجاح وتأخذ بأيديهم للوصول لأعلى المناصب.
كلها تُعلى من أهمية المرونة والليونة وامتصاص الصدمات، وتتحدث عن فوائد كبت الانفعال ورسم الابتسامة، مع توطين النفس على احتمال قدر من قلة ذوق البشر ومقابلة الإساءة بالاحسان. أحسست أنه لم يقتنع فأكملت قائلًا: ليست الكتب فقط هى من تعلم الناس تقديم التنازلات، ولكن المصالح المتداخلة والحياة المعقدة تصل بهم إلى نتيجة مؤداها أن قدرًا من التناحة ضرورى لتفويت الفرصة على من يريد التهام الحقوق وإضاعة الفرص المستحقة، خصوصًا أن بعض الناس يسعدهم جدًا أن تغضب منهم وتتنازل مترفعًا عما لك عندهم!.
ثم ختمت خطبتى الحماسية بالقول: لكل هذا وأكثر منه فإن استجابتك للغضب ومقاطعة من لا يردون المكالمات قد تُلحق الضرر بمصالحك ومصالح من تحب، وقد تعطل مكاسب كان من الممكن أن تحصل عليها. بدا على صديقى أنه اغتمَّ لسماع إجابة لم يتوقعها منى، وأنا من جانبى سارعت بالانصراف قبل أن أضعف وأعترف له بأنه محق تمامًا فى رغبته هذه، لكنى أشفق عليه من مواقف قد تؤذيه، وتوازنات حالية للقوة ليست فى صالحه. تحدثت إليه بمنطق التسامح، ولم أكن صريحًا فأطلب منه أن يؤجل الحنق لا أن يلغيه!.