بقلم - أسامة غريب
على ضوء نتائج الصراع العسكرى الذى جرت وقائعه بين أرمينيا وأذربيجان فى الأسابيع الماضية، وعلى ضوء نتيجة المعركة التى كانت كارثية بالنسبة للأرمن، يمكن قراءة المشهد الذى خرجت منه روسيا وتركيا بنصيب الأسد، وربما بما يوازى ما حصلت عليه أذربيجان نفسها، ولكن بتكلفة عالية من دماء أبنائها. لقد كانت هناك رغبة واضحة جمعت دولاً مثل أمريكا وتركيا وإسرائيل لمحاصرة النفوذ الروسى فى أذربيجان، وكانت الحرب إحدى الوسائل لتحقيق هذا الهدف، حيث من المفترض أن تنحاز روسيا لأرمينيا طبقًا لمعاهدة الدفاع المشترك بين الطرفين، ومن الطبيعى أن هذا من شأنه أن يجتث شأفة روسيا نهائيًا من أذربيجان ويحيلها إلى عدو فى أعين الأذريين، لكن ما حدث كان هو العكس تمامًا، حيث زادت الأحداث من ارتباط الأذريين بموسكو بعدما سمحت لهم الأخيرة بمواصلة الانتصار حتى اقتربوا من تحرير كامل الأرض عسكريًا، بينما تذرّع الروس فى وقوفهم على الحياد بأن أراضى الحليف الأرمينى لا تتعرض للعدوان، وإنما تدور الحرب بالكامل على أرض أذربيجانية محتلة. ويمكن اليوم النظر إلى الاحتفالات الشعبية المقامة فى شوارع باكو، وفيها ترتفع الأعلام الروسية على شرفات المساكن، جنبًا إلى جنب مع العلم الوطنى حتى نتأكد أن الود الروسى الأذرى لم يعد يقتصر على المستوى الرسمى، وإنما غزا الوجدان الشعبى بعدما أتاح لهم الموقف الروسى المحايد أن يحرروا أرضهم ويعيدوا اللاجئين إلى مساكنهم التى تم تهجيرهم منها قسرًا.أما تركيا، التى خرجت قواتها من أذربيجان عام 1918 بعد هزيمتها فى الحرب الأولى، وغادرت منطقة القوقاز بعد وجود استمر مئات السنين، فقد خرجت بمكاسب هائلة من انتصار باكو، أهمها عودة قواتها العسكرية إلى المنطقة من جديد. صحيح أن الروس لم يسمحوا لتركيا بأن تشاركهم فى قوات حفظ السلام التى سوف تنتشر على طول مواقع توقف القتال، لكن بالنظر إلى ممر ناختشيفان الذى نص الاتفاق على فتحه ليصل بين الإقليم الأذرى (ناختشيفان) الواقع بكامله داخلالأراضى الأرمينية ليتصل مباشرة بأذربيجان الأم.. هذا الممر هو مكسب تركى كبير لأن الاتفاق نص على «ممر به طريق واسع فى اتجاهين زائد سكك حديدية».. وهذا الممر سيشبه نفقًا داخل أرمينيا ليصل الأراضى الأذرية بعضها ببعض، وكان هذا الاتصال يتم فى السابق عن طريق إيران.. أما تركيا التى ترتبط بحدود مباشرة مع هذا الإقليم الأذرى المعزول فسيصير بوسعها دخوله، ثم عبور الممر لترتبط بريًا من جديد بمنطقة القوقاز وسط ترحيب أذربيجانى بإقامة نقاط مراقبة تركية تشرف على تنفيذ الاتفاق من داخل حدود أذربيجان. ويمكن اعتبار إيران من الأطراف التى تضررت من هذه الحرب نتيجة الاستغناء عن دورها فى ربط الأقاليم الأذرية، وكذلك لأن هذا النصر أتى بالروس إلى الحدود الإيرانية، بالإضافة إلى زيادة رقعة الحدود الأذرية مع إيران، بما يعنيه هذا من مزيد من الأعين الإسرائيلية وقواعد الرصد والاستخبارات.