بقلم - أسامة غريب
كتبت «بوست» على النت عن الدكتور مصطفى محمود، ومن الواضح أن ما قلته لم يعجب مَن يعتقدون أنه كان عالمًا كبيرًا وأديبًا يتفوق على كل أدباء مصر، لذلك فقد خسرتُ بعد دقائق من كتابة البوست حوالى أربعمائة من المتابعين الذين كانوا يحسبون فىَّ الجدعنة والمفهومية!. ما كتبته لم يخرج عن أن مصطفى محمود كان أديبًا محدود الموهبة وأن قدراته الأدبية لم تصل به لمناطحة نجيب محفوظ ويحيى حقى وطبيب آخر مثله هو يوسف إدريس، لذلك فقد اتجه لخلط الأدب بالدين، فلما رأى النتيجة إيجابية قرر أن يخلطهما بالعلم، فى مزيج لذيذ يُعجب الناس الطيبين من شعبنا الشقيان.
وكان دائمًا ما يستقبل كاميرات التليفزيون فى شقته لتعرض للجمهور التلسكوب الكبير الذى يضعه فى البلكونة ومنه يراقب حركة النجوم والكواكب السيارة، ويعرف أخبار النيازك والمذنّبات والشُّهُب. كنت كغيرى أتفرج على هذه الأشياء، لكن كانت تنتابنى دهشة دائمة: كيف لمن لم يدرس علوم الفضاء والفلك أن يستعين بتلسكوب يرصد به ما يدور فى الفضاء، وكيف له أن يفهم ما يراه ويفسره؟ إن من يفعل هذا لابد وأن يكون قد قضى سنوات طوالاً فى معامل وكالة ناسا أو ما يماثلها فى روسيا، أما أن تستعين بأفلام تسجيلية مستوردة ثم تقدم لقطات منها فى برنامج «العلم والإيمان» فإن هذا لا يدلل على شىء، وأى مذيع ممن لم يزعموا أنهم أدباء أو علماء يستطيع أن يقدم مثل هذه الفقرات، وقد كانت بالفعل هناك برامج تقدم هذه الأشياء مثل «جولة الكاميرا» لهند أبوالسعود، و«اخترنا لك» لفريال صالح وغيرهما. أعتقد أن الذين غضبوا منى وبعضهم ألغى متابعتى فى صمت، وبعضهم ألغاها بعد أن شيّعنى باللعنات.
أعتقد أنهم كرهوا أن تخبرهم بعكس ما يعتقدون، وهم قد تعودوا لسنين طويلة أن محبة مصطفى محمود والشيخ الشعراوى من المعلوم من الدين بالضرورة. والحقيقة أننى لا أجهد نفسى فى محاورة الجمهور الذى لم يعرف نجيب محفوظ إلا من أفلام حسن الإمام، ولم يعرف يحيى حقى إلا من فيلم «قنديل أم هاشم»، وعلى الرغم من أننى أحب أهلى وناسى الطيبين فى مصر فلا أستطيع أن أخدعهم وأبدى الإعجاب بأدب مصطفى محمود المتواضع، ولا يمكننى الانبهار ببرنامج «العلم والإيمان» الذى لم يقدم أى علم، أما بالنسبة للإيمان فهذا لا يمكن قياسه، ولا يجوز لى أن أرى الطبيب مصطفى محمود من العلماء مثل زويل وأينشتاين، لأن حصيلته الفعلية من العلم تجعله يقف معنا على باب الله!. أما الخلطة السحرية التى وضع الرجل يده عليها فكانت مناسبة تمامًا للشقيانين والمطحونين الذين يحتاجون لمفردات بسيطة ليس بها من جدية العلم أى شىء، لكن بها الكثير من: «الصرصار بيمشى على الحيط.. سبحان الله. الضفدع بينط.. سبحان الله. الحمار بيرفس.. سبحان الله». تكمن العبقرية فى استخدام الجمل السابقة أن أحدًا لا يستطيع أن يعترض عليها حتى لو كانت خارج أى سياق!.