بقلم - أسامة غريب
الصب تفضحه عيونه. هذا معروف، إذ إن المحب لا يستطيع أن يكتم الحب طويلاً لأن علامات العشق تظهر عليه، ومن هنا كان استنكار الشاعر: فكيف تكتم حباً بعدما شهدتْ.. به عليك عدولُ الدمعِ والسقمِ. وأثبت الوجدُ خطىّ عَبرة وضنى.. مثل البَهار على خديك والعنمِ. أى أن الدمع ونحول الجسم والمرض هى علامات ظاهرة تدل على شدة الوجد والبرحاء، فلا جدوى من الإنكار، والأفضل أن يعترف العاشق ويوفر جهد التظاهر والادعاء. ومع ذلك فقد يتبقى للمحب جانب يستطيع أن يخفيه وهو اسم المحبوب، وإذا كان الناس قد اطلعوا على حال المحب وشروده فعرفوا أنه عاشق، إلا أنه لن يبوح بهوية من يحب وسوف يحتفظ بها باعتبارها سرهما الصغير الذى لا يريدان لأحد أن يشاركهما إياه. وقد عبرت الأغانى والأشعار عن هذا الكتمان لاسم الفتاة فى مواضع كثيرة فغنى عبد الحليم: الرفاق حائرون، يفكرون، يتساءلون فى جنون.. حبيبتى من تكون؟.. إلى هذا الحد قد يكون إخفاء اسم الحبيبة دافعاً لجنون الأصدقاء من شدة الحيرة، فما بالك بالعوازل والحسّاد. لكن ترى هل يكون هذا التكتم لأجل حماية الفتاة من القيل والقال فى مجتمع محافظ وحتى لا تلوك الألسنة سيرتها، أم أنه الخوف من الحسد، خاصة إذا كانت الفتاة ذات جمال ودلال وحسب ونسب، أم يدخل الأمر فى باب الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان حتى لا تتعثر المسيرة بفعل النصائح والتدخلات وطرح الأمر على الرأى العام ليدلى كل بدلوه ويفتى فى أمر العاشقين من لا صلة له بالموضوع؟
على أى حال فإن الفنان محمد قنديل لم يُخْفِ اسم الفتاة فقط وإنما سعى لتضليل الناس بشأنها وأعطاهم أوصافاً مغايرة حتى يوجههم بعيداً عن الهدف فقال من كلمات مرسى جميل عزيز: «عيونك سود وأقول مش سود عشان الناس تتوه عنك.. وأصونك من عزول وحسود وأغير حتى عليك منك».. أى أنه وهو يتغزل فى الحبيبة ذات العيون السود يطمئنها بأنه يقول للناس إن لها عيوناً غير ذات سواد حتى يحفظ هويتها!. أما الشاعر جميل بن معمر أو مجنون بثينة فقد كتب فيها أشعاراً كثيرة، لكنه مع ذلك يزعم أنه يحفظ الحب سراً.. يقول المفضوح جميل: لا لا أبوحُ بحب بَثْنَة إنها.. أخذت علىَّ مواثقاً وعهودا!..لقد صرح الأخ جميل باسمها وشبَّب بها وفضحها وسط قومها ثم مارس الاستعباط العالى فزعم أنه يخفى الأمر لأنها أخذت عليه العهود والمواثيق أن يبقى قصة حبهما سراً، وهنا يمكن ملاحظة أن جميل قد أوغل فى الفضيحة على نحو غير مسبوق، فالعشاق قبله كانوا يندبون حظهم لأن المحبوبة لا تدرى بهم أو لا تحفل بمشاعرهم أو تكتفى بالصمت فى مواجهة قصائدهم الغزلية، لكن السيد جميل أعلن أن الأخت بثينة تبادله الحب وتستحلفه ألا يقول لأحد.. صحيح.. ما على العاشق ملام، لأن العاشق أحمق بطبعه والفتاة هى التى تدفع الثمن!