بقلم - أسامة غريب
يقولون إن الحب أعمى، بمعنى أنه يخفى العيوب ويحول دون رؤية النقائص والمثالب لدى الحبيب، ومع ذلك تظل هذه الجملة ناقصة دون أن يشملها توضيح لماهية الأمر كله. على سبيل المثال عندما يحب رجل امرأةً لعوبًا ثم يتزوجها - وهذا يحدث كثيرًا - فإننا لا نستطيع أن نضحك على أنفسنا ونظن أنه لا يرى ما هى عليه. هو أيضًا لا يخدع نفسه معتقدًا أنه تزوج من واحدة محتشمة وملتزمة.. بالعكس، فإن دلالها الظاهر، وتعمدها لفت النظر إلى مواطن فتنتها قد يكون هو ما شدّه إليها وجعله يتعلق بها، أى أنّ ما يستنكره الآن من سلوكها وما يلومه الناس على القبول به هو سر انجذابه لها ووقوعه أسيرًا لهواها فى المبتدأ. ربما يكون الآن شاعرًا بالحرج، ومتمنيًا أن تحتفظ بمياصتها داخل البيت فقط، لكن هذا لا يحدث فى الغالب. فى هذه الحالة لا نستطيع أن نصف الأمر بأن الحب الأعمى هو بطل القصة، ذلك أن الرجل فى هذه الحالة يرى جيدًا، بل يسمع ويشم، لكن ما يحدث هو أنه يتغاضى.. التغاضى والصهينة والطناش هو الوصف الدقيق للحالة، وليس السحابة التى تغشى العينين فتحول بينهما وبين الرؤية. وبالمناسبة.. الرجل يسعده جدًا أن يقوم الناس بالتشخيص الخاطئ لحالته هذه، فيظنون أن الحب عاميه ومانعه من أن يراها على حقيقتها، فهذا على الأقل يجعل منه ضحية بدلًا من أن يعرفوا أنه عارف فيصفونه بوصف آخر!. أما الحب الذى يُعمى حقًا فهو الذى يجعل الرجل سعيدًا مع امرأة أنانية حقودة يرى الناس جميعًا صفاتها السيئة وينفرون منها ما عداه هو. ومن هذا النوع هناك الكثير من الزيجات نجد أحد طرفيها سيئ النفس، خبيث الطوية، بينما الحبيب يظنه ملاكًا آتيًا من السماء، وصعوبة الأمر تتبدى فى عدم قدرة أحد من الأقارب والأصدقاء على تعريف الضحية، رجلًا كان أم امرأة، بحقيقة نصفه الآخر، لأنه عن حق وعن صدق لا يرى شيئًا مما يراه الناس، وقد يظنهم من العوازل الذين ينفسون عليه شريكه، ويريدون أن يسمموا بئر الحب العذب الذى ينهل منه!.
دخائل النفس السيئة إذن يمكن إخفاؤها، على العكس من الميوعة والدلع التى تتبين حتى فى الظلام!. ومع ذلك، فإن الأنانى وصاحب النفس المريضة لن يستطيعا الاستمرار فى التظاهر بالطيبة والحنان إلى الأبد. قد يمكن أن يتقنا هذا فى بدايات العلاقة، لكن مع مضى الوقت والتعرض لعواصف الحياة من مرض طارئ أو خسائر فى العمل أو احتياج حقيقى للمشاركة ستزول الغشاوة وتظهر الصورة التى أنكرناها وعادينا من حاول تبصيرنا بها. لكن المثير للتأمل أن معظم هذه العلاقات تستمر رغم تحطمها من الداخل، ذلك أن اعتزال من يؤذينا مع الاستعداد لتغيير الحياة والبدء من جديد هو أصعب مما نتصور.
نخلص من هذا إلى وجوب التفريق بين: الحب الذى يعمى صاحبه، والحب الذى يقرطس نفس الصاحب!.