بقلم - أسامة غريب
ينعقد فى طهران، بعد أيام قليلة، لقاء يضم زعماء روسيا وإيران وتركيا، ويأتى هذا اللقاء عقب زيارة الرئيس الأمريكى بايدن للشرق الأوسط واجتماعه بقادة المنطقة. ومن المؤكد أن سوريا ستكون محورًا أساسيًّا فى محادثات بوتين ورئيسى وأردوغان، ويُعتقد أن الروس والإيرانيين قد يضغطون على الرئيس التركى لمصالحة بشار الأسد باعتباره يشاركه العداء للأكراد الذين يؤرقون حكام تركيا منذ الأزل، والذين يحصلون على دعم أمريكى لمناكفة أردوغان وبشار معًا!.
وسط هذا الموقف يبدو أن الشعب السورى أصبح كالأيتام على مائدة اللئام، فأى نجاح يحققه الإيرانيون والروس سيكون على حساب المواطن السورى، كما أن انتصارات أردوغان فى هذا الملف سيدفع ثمنها أبناء سوريا أيضًا، إذ ماذا يفعل المواطن السورى الذى يرفض حكم بشار الأسد، كما يرفض حكم التكفيريين المدعومين من جانب أردوغان وحلفائه العرب؟.. إننا إذا عدنا بالذاكرة إلى بداية الأحداث فى سوريا نجد أن مدينة حلب كانت آخر المدن التى التحقت بالثورة السورية، وقد ظلت فترة طويلة لائذة بالصمت، ولا يريد أهلها أن يتورطوا فى صراع لن يقود إلى الخلاص، لكن إلى سيطرة فريق دموى بعد أن يهزم فريقًا دمويًّا آخر. حلب، مدينة الفن والشعر والجمال، معقل التجار والطبقة الوسطى المستنيرة، أرادت أن تنأى بنفسها عن الصراع فباءت بغضب الكتلتين المتصارعتين.. كتلة بشار وحلفائه، وكتلة فريق الثورة الذى نجحت أموال وإغواءات أردوغان فى تحويل بعضه إلى مرتزقة لم يعودوا يعرفون مَن يقاتلون ولماذا يقاتلون!.
لقد كان مقتل الثورة السورية فى أنها حملت السلاح، وتشظّت إلى أنواع وأصناف وأخلاط من التنظيمات والهيئات المسلحة يصعب على المرء تذكر أسمائها. على سبيل المثال فإن القوات التى حاربت النظام كانت عبارة عن: الائتلاف الوطنى السورى والجيش السورى الحر وجبهة ثوار سوريا وحركة حزم والجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وجبهة النصرة (تنظيم فتح الشام).. بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، فضلًا عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذى حارب النظام السورى والمعارضة السورية فى نفس الوقت!.
لقد قاتلت هذه التنظيمات لسنوات وبضراوة شديدة ضد الجيش النظامى السورى مدعومًا بحلفائه من الإيرانيين وقوات حزب الله، ولم يتم الحسم لأى من الفريقين لأن تشرذم سوريا وتخريبها يظل مطلبًا دوليًّا تسعى إليه روسيا، التى تحتاج للقواعد العسكرية التى منحها إياها بشار، وكذلك أمريكا التى ترغب فى توفير الأمن لإسرائيل. والمؤلم أن كل هذه الميليشيات والتنظيمات والهيئات المسلحة قد اقتتلت على الرغم من أن جميع أفرادها مسلمون، والمثير ليس فقط للعجب وإنما للرثاء أيضًا أن كل فصيل من هؤلاء يصر على اعتبار قتلاه دون غيرهم شهداء!، ولأجل إقناع الأنصار بذلك فإنه يستجلب شيوخًا وفقهاء ودعاة ليؤكدوا أن قتلاهم شهداء بينما قتلى مَن يحاربونه بغاة، ظلمة، مآلهم نار جهنم. لقد قدمت الحرب الأهلية فى سوريا شكلًا بالغ البشاعة لاستخدام الدين ببذاءة لحشد الأنصار وشحن القلوب بالبغضاء، وهذا يشكل الضرر الذى لا يمكن جبره حتى لو توقفت الحرب!.