بقلم - أسامة غريب
المحللون السياسيون الذين تابعوا زيارة الرئيس الأمريكى بايدن للشرق الأوسط والتقائه بزعماء المنطقة مالوا إلى القول بأن الزيارة قد عبرت عن تراجع النفوذ والهيمنة الأمريكية على دول المنطقة، حتى وإن حاول بايدن التأكيد على أن بلاده لن تترك فراغا بالمنطقة قد تتسلل إليه وتملأه روسيا والصين. دلل المراقبون كذلك على عدم توفيق الرئيس الأمريكى في تحقيق أهداف الزيارة من الاستقبال الفاتر الذي حظى به في جدة حتى إن الملك وولى عهده لم يكونا في استقباله، وقد عاد المراقبون بالذاكرة إلى زيارة الرئيس السابق ترامب ومعه ابنته وزوجها والحفاوة التي قوبلوا بها ومئات المليارات التي بشر ترامب جمهوره بأنه حصل عليها على شكل صفقات تكفل لهم وظائف وانتعاشا كبيرا، فهل يا ترى تعكس مظاهر استقبال الرئيس الأمريكى حقيقة نجاحه أو فشله في تحقيق النتائج التي هدف إليها؟. لا شك أن هناك جرأة ملحوظة من الدول التي قابل بايدن زعماءها في هذه الزيارة تمثلت في عدم التماهى التام مع الموقف الأمريكى من الحرب في أوكرانيا وعدم الاستجابة الفورية بزيادة ضخ النفط والغاز لتعويض الإنتاج الروسى، وقيام الدول العربية بالتنسيق مع روسيا في العديد من الملفات،
وكذلك استقبالهم وزير الخارجية الروسى في مقر الجامعة العربية. السؤال الآن: إلى أي حد يعبر التململ العربى الواضح من الأمريكان عن نزعة استقلالية بازغة قد تأخذ في التمدد في المستقبل وتصل إلى الاستغناء عن الوجود والنفوذ الأمريكى في المنطقة؟. أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة، لكن يمكن القول إن مظاهر عدم المبالاة بالمطالب التي تخص واشنطن قد واكبها وحاذاها وسار إلى جوارها تفاعل عربى كبير مع الإسرائيليين وتفاهمات شملت الأمور العسكرية والسياسية والاقتصادية في أكثر من بلد عربى، وهذا قد يشير إلى أن العديد من الدول العربية أصبحت تستقوى على الولايات المتحدة بإسرائيل!..
ربما يتصور البعض أن هذا الطرح يعبر عن الخيال بأكثر من تعبيره عن الواقع، لكن الحقيقة أن الراصد الحصيف يمكنه أن يرى أن العلاقات العربية في الآونة الأخيرة كان يمكن لها أن تتذبذب مع الأتراك، تتذبذب مع الأمريكان، مع الروس، مع هذه الدولة الأوروبية أو تلك، إلا أن منحنى التعاون مع الإسرائيليين صاعد وماضٍ بوتيرة قوية وثابتة ومتسارعة، وإذا كان الرئيس الأمريكى قد أخفق في الوصول لبعض الأهداف التي تخص بلده خلال زيارته هذه، فإنه قد نجح نجاحًا تاماً في تحقيق أهداف تل أبيب التي كان يمثلها بأفضل من بعض حكام إسرائيل!.. ولا غرابة في هذا لأن بايدن قد صرح، في أكثر من مناسبة، بأنه صهيونى أكثر من كل الإسرائيليين!.. بناء على هذا يمكننى القول إن السياسة الخارجية الأمريكية قد دخلت في مساومات مع الأطراف العربية تركت لهم فيها مكاسب مادية ومعنوية على مستوى مناطحة قوة عظمى ومخالفتها الرأى في بعض الملفات مقابل حصول إسرائيل على مكاسب لم تقدم مقابلها أي شىء لأى أحد بما فيه الراعى الأمريكى نفسه!.