بقلم: أسامة غريب
شاهدت فيلم 1917 من إخراج «سام مينديز»، الذي يحكى عن جنديين بريطانيين في الحرب العالمية الأولى يذهبان في مهمة مستحيلة، حيث يتعين عليهما دخول أرض العدو الألمانى من أجل إيصال رسالة لمنع قواتهم المحاصرة بالداخل من تنفيذ هجوم هو في حقيقته فخ قاتل. التنفيذ التقنى للفيلم كان على مستوى رفيع، تعاون فيه المخرج مع مدير التصوير حتى يتم تصوير الفيلم كمشهد واحد طويل دون قطع، مع ترك الكاميرا تمضى مع الممثلين أينما تحركوا من البداية للنهاية، ولقد اطلعت على مقاطع وثائقية توضح الطريقة العبقرية والمضنية التي تبناها المخرج حتى يحصل على شريط مدته ساعتان هما زمن الفيلم بين الخنادق والمخابئ والساحات والحقول والقرى الخربة والجسور المتهدمة والأرض الزلقة.. كل هذا دون حركة قطع واحدة!. بطبيعة الحال لم يكن المخرج مينديز هو أول من اخترع هذا الأسلوب في التنفيذ السينمائى، لكن كان هتشكوك هو الرائد في هذا المجال عندما قدم فيلم «الحبل» عام 1948 كمشهد واحد طويل، وكان قد قدم أيضًا فيلم «ثلاثة في قارب» بنفس الطريقة عام 1944. هناك أيضًا فيلم «بيردمان» الذي أخرجه أليخاندرو إينيريتو عام 1914.. لكن الحقيقة أن فيلم 1917 يختلف عن كل الأفلام التي استخدمت أسلوب التصوير دون قطع في أن أحداثه اللاهثة تجرى على مساحة شاسعة من الأرض وتتخللها معارك أرضية ومعارك طيران وسباق مع الزمن، كل هذا جعل تنفيذه بهذه الدقة يشبه المعجزات. بعد انتهائى من مشاهدة الفيلم، جال في ذهنى بعض الأفكار عن الجندى البطل الذي قام بتوصيل الرسالة وزملائه من الجنود والضباط الذين سطروا ملاحم رائعة في تلك الحرب.. ماذا عن أدائهم بعد انتهاء الحرب؟ وأين ذهبوا؟ هل أرسلهم الجيش البريطانى ليكملوا خدمتهم في مصر أم في الهند أم في بورما أو غيرها من المستعمرات؟ وهل كان هناك مجال للبطولة بالنسبة لجيش احتلال يتعامل مع أبناء شعب مغلوب على أمره مثلما كانت هناك بطولات أثناء مواجهة الألمان؟.. لا شك أن قوة العدو الألمانى هي التي صنعت بطولة الجنود البريطانيين، أما حالة الشعوب المستعمرة فلم تكن تدفع هؤلاء إلا لحياة الترف والعربدة والملل وارتكاب الجرائم في بلاد مثل مصر والهند، حتى إن صورة الجندى البريطانى في المخيلة الشعبية المصرية لا تعدو كون اسمه جونى ولا يكاد يفيق من شرب الخمر!. المشكلة أنه لو كانت لدينا حركة سينمائية فعالة لأمكننا أن نتتبع على سبيل المثال بقية قصة أبطال الفيلم وهم يخدمون في القاهرة أو الإسكندرية أو في مدن القنال ونروى عن بعض أيامهم في مصر وكيف كانوا ينظرون لنا إن كانوا يروننا من الأساس! وهل كانت ضمائر بعضهم مثقلة بمهمتهم الاستعمارية في بلادنا؟.. يمكن أيضًا أن نجسد بطولات الفدائيين المصريين الذين نفذوا عمليات ضد هؤلاء الجنود. الجندى البطل في فيلم 1917 له صورة أخرى لن يراها العالم لأننا لا ننتج سينما!.