المسامح كريم

المسامح كريم

المسامح كريم

 صوت الإمارات -

المسامح كريم

أسامة غريب
بقلم: أسامة غريب

التسامح جميل، يجعل النفس أصفى، والقلب أروق، والروح أغنى، وقد قام العرب من قديمٍ بتمجيد قيمة العفو عند المقدرة والحديث عنها باعتبارها من شيم الكرام أصحاب النفوس العالية. لا تكمن روعة التسامح فقط فى أنه يعطى إنسانًا الفرصة لأن يعود عن خطئه ويعمل على محوه فيستعيد جدارته بالثقة، وإنما فى أنه يزيح عن كاهل صاحبه همًا ثقيلًا يحد من خطوه ويعوق قدرته على استعادة الإيمان بالناس. لكن مشكلة السماح أنه ليس سهلًا ويحتاج لقدر كبير من العزم والرقى النفسى.. فهو يتعارض مع رغبة بشرية طاغية ومحببة إلى نفوس البشر اسمها الانتقام.. ومن ذا الذى يكره أن يسدد ضربة موجعة لمن أهانه أو أذله أو استحل ماله؟. إن هناك من يقضى عمره كله سعيًا وراء الثأر، وقد يخرج من داره ذات صباح ولا يعود إليها حتى ينهى المهمة ولو استغرقت سنين. يحتاج السماح إذًا إلى طاقة روحية كبيرة تتغلب على لذة الانتقام. لكن حتى إذا صفا القلب ولم تعد به رغبة فى الثأر، فإن عوائق أخرى تظل فى انتظار الراغب فى الصفح، منها نظرة الناس إليه.. فأغلبهم قد تأخذهم به الظنون إذا سامح، فيعتقدون أنه ساوم على حقه، أو قبض مقابل الإهانة، أو قد يرونه جبانًا رعديدًا خشى عاقبة المواجهة وآثر عليها الخنوع المغلف بادعاء الصفح والسماح. وفى هذا الخصوص يمكن القول إن المجتمعات التى تغيب عنها قيم الدولة الحديثة وتغلب عليها الروح القبلية يكون السماح فيها أكثر صعوبة، حيث يأخذ التفاخر أحيانًا صورًا متطرفة قد تضع المتسامح فى خندق الجبناء. لا شك أن من أفضال الدولة الحديثة التى يعلو فيها القانون تجنيبها المواطن أن يأخذ ثأره بيده، فتجعل الشعور بالظلم أخف والقدرة على التسامح أكبر.. لكن تظل هناك دائمًا عوائق نفسية ومجتمعية تحول بيننا وبين التسامح، فهناك الخوف من أنّ من نرغب فى مسامحته قد لا يفهم حقيقة موقفنا ويظنه نابعًا من ضعف، ومن يدرى فربما صوّرت له نفسه أننا نقوم بمناورة أو نسعى للاقتراب حتى يسهل علينا تسديد الضربة الموجعة.

من معوقات القدرة على التسامح أيضًا بعض الأمثال الشعبية التى يعتنقها الناس ويظنونها دستورًا أبديًا يحكم حياتهم، مثل مقولة إن «ما ينكسر لا يمكن إصلاحه»، أو أن «ذيل الكلب لا يمكن عدله». تعمل هذه الأمثال فى الحقيقة على إغلاق نوافذ الرحمة فى القلوب، وتدفع الناس إلى نبذ التسامح خشية ألا يكون مجديًا، ومخافة أن تكون تضحيتهم ستذهب إلى من لا يستحقها. وقد يخشون أيضًا من أن شبح الماضى سيطاردهم ويفسد عليهم الحياة بصحبة من سامحوه، ولهذا قد يظلمونه بينما يكون قد تاب حقًا وندم على خطئه وعزم على التعويض عنه.

جميلٌ التسامح حقًا.. لكنه ليس سهلًا بالمرَّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسامح كريم المسامح كريم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates