بقلم - أسامة غريب
فى ندوة تكريم الكاتب الكبير وحيد حامد بمهرجان القاهرة السينمائى ديسمبر 2020، كشف ساحر السينما عن إحدى حيله التى دأب على استخدامها مع الرقابة حتى يفلت من قيودها الكثيرة، وهى أن يلقى لهم بمشهد أو أكثر لا يحتاج إليه واقعيًا، ويكون هذا المشهد صادمًا، بحيث يتحتم عليهم منعه، بينما يتركون المشاهد الأخرى على حالها، وبذلك يتحقق لكاتب الفيلم ما يريده. وعلى قدر ما بهذه النصيحة من حِرفية وذكاء إلا أنها تدفع للتفكير فى ماهية تلك المشاهد التى يقرر المؤلف طواعية إحراقها وتقديمها قربانًا على مذبح الرقابة.. هى لا بد أن تكون مشاهد غرامية تدور فى الفراش أو مشاهد تعاطٍ للمخدرات مع بيع الجسد مقابل جرعة أو أشياء من هذا القبيل. سؤالى هو: كيف يقوم المخرج ابتداءً بقبول هذه المشاهد إذا كانت خارجة على سياق العمل ومقحمة فقط بغرض الإلهاء والتشويش على الرقابة، وهل يتم هذا بالاتفاق بين المخرج والمؤلف؟.
إذا كان الأمر كذلك، فماذا يفعل المخرج إذا تم قبول هذه المشاهد؟، لا بد هنا أن يختل إيقاع الفيلم ويتعثر تدفقه. وقد يقودنا هذا إلى أزمة المبدع العربى الذى تنطبق عليه مقولة الأستاذ عبدالرحمن الخميسى: أدافع عن قيثارتى ولا أعزف ألحانى. وربما يقود تشدد الرقابة فى بعض الأحيان إلى التضحية بالمَشاهد التى تنقل الأحاسيس بصدق وتعبر عن مكنونات النفس لصالح الخطابة السياسية العالية أو الإفيه الحراق، ولتوضيح هذا الكلام نحتاج لأن نتصور كيف كان سيبدو فيلم «للحب قصة أخيرة» لو حذفنا مشهد اللقاء العاطفى الساخن فى الفراش بين الفخرانى ومعالى زايد بينما يلفظ البطل آخر أنفاسه.. ماذا يتبقى من الفيلم إذا تم حذف هذا المشهد، وهل يجدى كل الحوار الذى كتبه المخرج رأفت الميهى إذا حرموه من ماسترسين الفيلم؟. إن المتعة البصرية للصورة فى أفلامنا مفقودة غالباً لصالح الجملة الحوارية التى تعلق بذهن الجمهور، ومثال على ذلك الجمل التى يحفظها الناس عن ظهر قلب: «نشنت يا فالح» أو «هنادى راحت فى الوبا»، وغيرها.
عند ظهور الأفلام الناطقة، كان نقاد السينما يقللون من قيمة الحوار باعتبار السينما هى صورة بالأساس، وظل الاعتقاد بقيمة الصورة مستمرًا، رغم ظهور بعض الاستثناءات السينمائية التى قامت على الحوار الرفيع، مثل فيلم (Sleuth)، إنتاج 1972 و(12 angry men) إنتاج 1957، ومع هذه الاستثناءات تظل السينما متعة بصرية بالأساس، تمنح العين تثقيفًا وتملأ النفس بالمشاعر التى تنقلها الصورة، لكن مع أفلامنا يمكن النظر لغالبيتها على أنها تصلح للإذاعة بالراديو دون أن يشعر المستمع أنه يفتقد الكثير، وذلك بسبب أن الرقابة قد تتسامح مع الجملة الحوارية التى ينجح السيناريست من خلال التورية والإسقاط فى تغطية مغزاها، لكنها لا تتسامح مع الصورة.
ومع ذلك فنصيحة وحيد حامد لشباب الكُتّاب مقدرة ومحمودة، لولا أنه لن تتم الاستفادة منها لأن أفلام الأستاذ ذاتها لا يمكن إنتاجها اليوم!.