بقلم: أسامة غريب
بعد قصف حرس الثورة الإيراني لقاعدة عين الأسد التي يشغلها الجيش الأمريكى في الأنبار، علاوة على القاعدة الأخرى في أربيل، حاولنا أن نعرف تأثير الضربة، فلم نجد أي جهة محايدة تنقل لنا حقيقة الضرر ومداه. كل الأنباء التي تواترت كانت أقرب إلى البروباجندا منها إلى الإعلام، وقد حرص الجانب الإيرانى على تضخيم النتائج فأعلن عن مقتل 80 أمريكيًا، علاوة على تدمير القاعدة بالكامل، أما الجانب الأمريكى فقد حرص مسؤولوه على التأكيد على أن القصف لم يسفر عن أي خسائر بشرية، نظرًا لأن الإنذار المبكر قد وفّر للجنود الوقت الكافى للوصول للملاجئ الحصينة. هذا ولم يتسنَّ لأى وسيلة إعلامية أن تصل إلى داخل القاعدة بعد أن أقام الأمريكان حولها طوقًا منيعًا، ترتب عليه أن رجال المخابرات العراقية أنفسهم تم منعهم من الدخول.
وقد نشرت وكالة تسنيم الإيرانية أن إيران استخدمت نوعين من الصواريخ هما «فاتح» 313 بمدى 500 كلم، والثانى صاروخ «قيام» بمدى 800 كلم، وعزت عدم تمكن الأمريكان من اعتراض الصواريخ وإسقاطها إلى السرعة العالية جدًا لصاروخ فاتح وقوة التشويش والرؤوس المتعددة لصاروخ «قيام».. بينما برر الأمريكان الأمر بعدم وجود بطاريات دفاع جوى في القاعدة من الأساس!.
تتردد الآن في الميديا الغربية والعربية نغمة موحدة مؤداها أن الطرفين الإيرانى والأمريكى قد خرجا من هذه الأزمة الصعبة مرفوعى الرأس، فالإيرانيون وفوا بالوعد وقصفوا المواقع الأمريكية استجابة للمزاج الشعبى المهتاج المطالب بالثأر لسليمانى، والأمريكان لم تحصل لديهم خسائر بشرية تدعوهم للانتقام الكثيف، وبهذا يمكن لكل طرف التعامل مع العالم ومع شعبه بثقة وكبرياء. ويمكن أن نلحظ هذه الحالة من التناقض لدى مشجعى الطرفين من الجماعات العربية ووسائل الإعلام التي تتبعها، فبينما تغلب الفرحة والزهو على الفريق المؤيد لإيران، فإن السخرية هي الطابع العام للفريق الآخر الذي روّج لوجود اتفاق بين الإيرانيين والأمريكان على تنفيذ ضربة مسرحية تحفظ ماء الوجه، وبدأ حملة تهكمية على الصواريخ الإيرانية الفشنك التي عجزت عن إحداث إصابة واحدة لأى جندى أمريكى.. لكن في الحقيقة حتى لو صحت هذه الأنباء الخاصة باتفاق من خلال وسطاء على ألا تكون الضربة مهينة وجارحة للأمريكان فتضطرهم لدخول حرب شاملة مع إيران، فإن هذا يؤكد قوة ما تمتلكه إيران من أسلحة رادعة لا تريد أمريكا لجنودها أن يتعرضوا لنيرانها.. أي أن هذه نقطة في صالح إيران، لأن صفقات من هذا النوع لا يعقدها ترامب ورفاقه إلا مع الأقوياء الذين يُخشى بأسَهم، ولو كانت إيران طرفًا ضعيفًا لتم سحقها دون الدخول في صفقات.
عمومًا، أتصور أن حقيقة الدمار الحادث في قاعدة عين الأسد هي حالة وسط بين ما يعلنه الطرفان، فلا هي ساحقة ولا هي وهمية.. وقبل هذا وذاك فإن قصف قاعدة أمريكية بهذه الجرأة هو جنون اختارته إيران بكامل قواها العقلية!.