بقلم - أسامة غريب
أحد أصدقائى المقربين يعتقد أن الحياة السعيدة هى الحياة الرتيبة التى تخلو من المفاجآت ومما يثير الاندهاش، وهو يعتقد أن الحصول على هذه الحياة ممكن بشرط أن ننفض الأشخاص السيئين خارج حياتنا ونطردهم بعيدًا، لأنه فى وجودهم لن نحصل على الحياة الرتيبة السعيدة!.. صديق آخر يعارض هذا الطرح لأنه يرى أن الرتابة قد تقتل صديقنا الذى سعى إليها، وكذلك لأن الحياة تفقد طعمها إذا خلت من الأنذال!. وفى رأيه أن الملل سينشر أجنحته على صفحة الحياة وتصبح ذات مذاق واحد إذا امتلأت بالخيرين وأصحاب النوايا الحسنة فقط.. ويعتقد صديقنا هذا أن الناس بطبيعتها تحن لبعض الشر الذى يحرك الماء الآسن ويثير فى النفس الرغبة فى المنافسة والمشاكسة والتغلب على الآخرين. وقد دلل صديقناعلى كلامه بأن الطيبين والخيرين من الناس هم أكثر من يتم الانصراف دون الرغبة فى مكافأتهم وشكرهم أو حتى تبادل الحديث الودود معهم، بينما يفضل الناس- وبالذات الشباب منهم- جلسات الأصدقاء الجانحين المليئة بالإثارة والسخرية والتنمر.
وعن نفسى فإننى شخصيًا أميل إلى رأى الصديق الأول بعدما أصبحت بمرور الوقت لا أنفر من الحياة الرتيبة ولا أعتبر الهدوء مللًا، والحقيقة أن الرغبة فى دفع الملل قد توقع الإنسان فى حبائل الأشرار الظرفاء، فالأنذال فى العادة اجتماعيون محبوبون ودمهم خفيف، حتى إن الدراما قد التقطت هذه الحقيقة واشتغلت عليها فى المسلسلات والأفلام، ونلاحظ من قديم أن الجمهور تعلق بالشخصيات التى قدمها محمود المليجى وصلاح منصور واستيفان روستى على سبيل المثال نتيجة الظرف واللطافة وخفة الدم التى ميزتهم، كما أن المسلسلات الدينية قدمت كفار قريش كظرفاء ساخرين يستمتعون بالحياة ويطلقون النكات ويعبون من الشراب فى ليالى الأنس والطرب، بينما المؤمنون متجهمون عابسون يغلف الجد كل تصرفاتهم.
لذلك نجد فى حياة معظم الناس بعض الأنذال الذين يؤثرون الاحتفاظ بهم من أجل الإثارة والتسلية واستدعاء الكوميديا، ويلاحَظ أن الصداقة مع الأنذال قد تكون أطول عمرًا من الصداقة مع النبلاء، ليس فقط بسبب قدرة الأنذال على الخداع وإخفاء النوايا، وإنما بسبب أنه حتى بعد كشفهم وتبين حقيقتهم لا يتم الاستغناء عنهم كلية، وهذا فى حقيقة الأمر سلوك غير مأمون العواقب، فالبعض يتصور نفسه حصيفًا بدرجة كافية لأن يصادق نذلًا ثم يهمشه ويضعه خارج حياته فلا يسمح له بالنفاذ إلى العمق منها، لكن هذا المتذاكى فى الغالب يدفع ثمن غروره واستهتاره وتصوره أنه يمكن أن يلاعب شريرًا ويستخدمه من أجل الإثارة والتسلية دون أن ينال شيئًا من قرصاته الموجعة، فالأنذال ليسوا دمًى نلهو بها لكنهم القادرون على التلاعب بالناس، وهم يغيرون من تكتيكاتهم دائمًا، وما المواقف الطيبة التى يبدونها أحيانًا إلا بعض من هذه التكتيكات!.
فى اعتقادى أن غرور الشباب قد يغرى بمصادقة الأنذال الظرفاء، غير أن مضىّ العمر هو الذى يحد من الاندفاع وراء هذه الرغبة بعد أن يشبع الشخص من التسلية ويفهم أن التنمر جريمة، ولا يجد بجسده أجزاء تحتمل مزيدًا من الطعنات!.