بقلم: أسامة غريب
جلس شرحبيل بن نوسة على القهوة ساعة العصارى منتظرًا حمامة الفلايكى. كان يجلس إلى جانبه بدرانوف الطبال زوج الراقصة إلهام كوكو. لم يصدق شرحبيل أن بدرانوف ربيب الراقصات قادر على تلحين القصيدة الجديدة التى انتهى من نظمها، ومع ذلك تنازل وأسمعها له: «يا حلو قلبى انكوى.. والشوق صَبَح بقاليل.
وجرحى من غير دوا.. والحب ماله دليل. والقرع لما استوى.. خلّى الصبايا تميل». كان بدرانوف ينقر على الترابيزة وهو فى حالة سلطنة بعد أن أضاف النغمات إلى كلمات ابن نوسة. بعد قليل، أقبل حمامة فتهللت أسارير شرحبيل الذى لا يأنس أو يسعد بصحبة أحد قدر صديقه القديم. استمع الفلايكى إلى القصيدة ولكن لم يعجبه اللحن وأبدى امتعاضه من موسيقى العوالم التى ركّبها بدرانوف على الكلمات الجميلة.
انفعل شرحبيل على بدرانوف الذى كاد يفسد كلماته.. لم يكتف بالسباب الذى كاله لبدرانوف الطبال وإنما أمسك به من ياقة القميص وسحبه خارج القهوة وأصدر عليه حكمًا بالاختفاء لمدة ثلاثة أيام لا يظهر فيها على القهوة وإلا فالعقاب الرهيب فى انتظاره!. فكر ابن نوسة فى أن يستعين بالفلايكى من أجل نشر القصيدة ضمن ديوان يضم أعماله السابقة، وطلب منه ترشيح ناشر من أصدقائه يتولى تقديم الديوان إلى العالم.
أطرق حمامة وبدا أنه سارح فى أفكار عميقة، ثم بادر صاحبه: قل لى يا شرحبيل ما غرضك من تلحين القصيدة أو نشر الديوان؟ - لا أبغى سوى كسب المال لأجل المضى فى دفع نفقات الدفاع عن نوسة فى قضيتها الشائكة المتهمة فيها بقتل إسماعيل بالونة.. إذن فاعلم أن لحن بدرانوف للقصيدة لن يجلب المال لكن سيجلب اللعنات وقد تتعرض للضرب على يد الجمهور الغاضب. - وماذا عن نشر الديوان يا صاحبى؟، قال حمامة: النشر ممكن ولكن عليك تجهيز مبلغ عشرة آلاف جنيه لتقديمهم للناشر!. خرجت صيحة بذيئة من فم وحنجرة شرحبيل عندما سمع أن عليه دفع المال لا قبضه!.. أنا الذى أدفع للناشر؟ تساءل ابن نوسة.
قال حمامة: دنيا النشر فى مصر مختلفة يا صديقى، وعلى الرغم من وجود حوالى ألف ناشر فى البلد، فإن عددًا لا يزيد على ستة أو سبعة ناشرين فقط هم الذين يدفعون نقودًا للمؤلف.. الباقى يتراوحون بين الناشر الذى لا يأخذ مالًا من الكاتب لكن لا يدفع له أى حقوق.. أما النوع الثالث وهو الغالب والمنتشر فهو الذى يصطاد الشباب والشابات الذين يظنون فى أنفسهم الموهبة، فيأخذ أموالهم دون رحمة، وفى الغالب يتقاعس عن الطباعة إذا احتاج إلى المال من أجل الطعام والمزاج، وإذا أصر المؤلف على أن يرى عمله منشورًا فعليه أن يدفع من جديد!.
شعر شرحبيل بالصدمة لأنه كان يظن أن قصائده ستفتح عليه أبواب البنكنوت فيتمكن من إنقاذ نوسة. قال حمامة مواسيًا: أسمعنى القصيدة مرة أخرى، فلعلى أجد فى السوق ملحنًا محترمًا يستطيع أن يبروز كلماتك ويجعلها تجرى على كل لسان فتتسابق شركات الكاسيت فى التعاقد معك، ودعنا ننسَ بدرانوف الطبال الذى لا يملك أى ميزة سوى زوجته الراقصة إلهام كوكو!.