بقلم - أسامة غريب
هل يستحق الفنان محمد صبحى التكريم؟ فى رأيى أنه بالتأكيد يستحق التكريم بعد مسيرته الفنية الطويلة. مَن الذى يتوجب عليه القيام بهذا التكريم؟ الدولة، ممثلة فى مؤسساتها وهيئاتها فيما يختص بالتكريم الرسمى، علاوة على التكريم الشعبى الذى تتطوع للقيام به المؤسسات الأهلية المُحِبّة للفنون والآداب. هذا ما يجب أن يكون، أما أن يقوم الفنان محمد صبحى بصناعة تماثيل لشخصه، ثم يقوم بعمل احتفالية لتوزيع التماثيل على شخصيات من اختياره، فهو أمر غير مسبوق وغير مفهوم. إذا كان الأمر يتعلق برغبة رجل وفىّ فى التعبير عن الامتنان لأصدقائه وأحبابه فقد كان يمكن أن يدعوهم إلى العشاء فى بيته، أما أن يوزع عليهم تماثيله، ثم يقول إن هذا تكريم لهم فهذا ما لم تسمع به العُرب أو العجم أبدًا!
للتكريم أصول، أولها أن يكون صادرًا من جهة محايدة تعترف للفنان بدوره وتمنحه تذكارًا يستمد قيمته من حيادية الجهة المانحة وثقلها الثقافى.. أما تكريم الأب لابنته والأخ لأخيه فهذا ينبغى ألا يتجاوز نطاق المنزل، وإلا كان سببًا فى تندر الناس والتقليل من قيمة مانح الجائزة ومتلقيها، فهل يا تُرى يئس «صبحى» من أن يحصل على التكريم الذى يرى نفسه جديرًا به فقرر أن يكرم نفسه بهذه الطريقة المبتكرة؟ وهل يمكن أن نرى آخرين يقتدون بـ«صبحى»، فيقوم كل منهم بدعوة الذين اشتغلوا فى أعماله، ثم يمنحهم صوره وبوستراته وتيشيرتات عليها صورته، ويسمى هذا تكريمًا لهم؟ لقد كنت أفهم أن تكرمنى بأن تقوم بنحت تمثال لى، لا أن تقوم بنحت تمثال لنفسك، ثم يكون مطلوبًا منى أن أرصع بيتى بتمثالك دليلًا على تفوقى وجدارتى!
وهناك حقيقة يتعين الوعى بها فيما يخص التكريم، وهى أن يكون عدد المُكرَّمين محدودًا للغاية حتى يدرك الشخص المختار مكانته عند مَن يكرمه، أما الأعداد الضخمة المبهوأة فمكانها المولد، حيث يتم توزيع الحمص على كل عابر! إن الفنان الوحيد الذى انتشرت تماثيله فى كل مدينة وقرية وبيت وعشة فى مصر هو محمود شكوكو، لكن «شكوكو» العظيم لم يصنع هذه التماثيل على حسابه، وإنما صنعها النحاتون الشعبيون، ثم قام التجار ببيعها للناس، وكان هذا استفتاءً شعبيًا على حب الناس له واستعدادهم لدفع فلوس لاقتناء تمثاله.
السادة الذين تم توزيع التماثيل عليهم فى احتفالية «صبحى» يضمون فنانين متميزين، بالإضافة إلى موظفين رسميين، وكلهم يستحقون الاحترام، لكن ساءنى أن فنانة بمكانة سميحة أيوب تستحق جائزة «البوليتزر» تجد نفسها على المسرح وفى يدها تمثال لمحمد صبحى!.. ليس فى كلامى هذا تقليل من «صبحى» الفنان، فأنا أحبه وأعرف قيمته، لهذا لم أكن أريد له أن يفعل أشياء رأيتها فى بعض البلاد العربية التى بلا تاريخ فنى عندما يقيمون فعاليات من هذا النوع يتم فيها تكريم الجميع بواسطة الجميع مع التقاط الصور ونشرها بالصحف. مصر أكبر من هذا، وفنانوها من النوع الذى يستحق التكريم الحقيقى وليس الفعاليات التى يحضرها الناس مجاملة لصاحب التمثال!.