بقلم - أسامة غريب
كان المدير مكروهاً من موظفيه، ومع ذلك فلم تكن هذه هى مشكلتهم معه.. ما كان يحيرهم بشأن عصمت بيه أنه فى كل صباح وبينما يسير فى الممر الطويل الذى يوصّل إلى مكتبه كان يرد على تحية الصباح بغمغمة حار الموظفون فى فهمها.. لم يرد أبداً بـ «صباح الخير» صريحة، لكنه كان يفتح فمه ويصدر أصواتاً لا معنى لها. إن هذا الرجل يختلف عن المدير السابق عليه رشوان بيه، فالأخير كان يسمع صباح الخير ولا يرد مطلقاً وكأن بأذنيه صمما، أما عصمت فإنه يتظاهر برد السلام بينما هو فى حقيقة الأمر يثير نقمة الموظفين ويضاعف من حيرتهم. قال أحد شباب الموظفين فى تفسير الصوت: إن الرجل يقول بوم.. كلمة بوم هى ما أسمعه عندما يفتح فمه لرد التحية. قال موظف آخر: بل يقول: بولوم. ضحك ثالث قائلاً: لم يبق سوى أن تدعّوا أنه يقول بولولوم. أضاف موظف قديم: لا.. إن المدير يغتصب ابتسامة بلاستيكية مقيتة قبل أن يقول «كيخو».. إنه يقولها بسرعة لدرجة أنكم لا تتبينوها، أما أنا صاحب السمع الحاد فقد ميزتها.. إنها كيخو. غرق باقى الموظفين فى الضحك من زميلهم الذى سمعها كيخو!. وهنا انبرى الموظف الجديد حسين الذى لم يمض على تعيينه ثلاثة شهور: أنا سأعرف بالضبط ماذا يقول. سألوه: كيف؟ أجاب: سأسأله. ستسأله؟ يا إلهى!.. وهل تجرؤ أن تفعلها؟.
لم يكن حسين يهزل وإنما توجه إلى سكرتيرة المدير، وطلب موعداً لمقابلة سيادته فى اليوم التالى. عند الموعد أشارت السكرتيرة لحسين بالدخول فطرق الباب ودخل ثم جلس قبالة عصمت بيه الذى كان منهمكاً فى مطالعة أوراق. بعد ربع ساعة رفع رأسه ثم هز نفس الرأس متسائلاً دون كلام عن سبب الزيارة. لم يرتبك حسين وإنما نظر للمدير فى عينيه وهو يلقى سؤاله: كل يوم عند حضور سيادتك نتبارى جميعاً فى إلقاء تحية الصباح عليك، لكننا اختلفنا فى تفسير ردك، فهناك من يزعم أنك تقول «بم» ومن يدعى أنك تقول «بولوم» وأيضا بعضنا يظنك تقول «كيخو» لهذا فإننى أتمنى عليك وأستحلفك بأغلى شىء عندك أن تصارحنى وتقول لى الكلمة الصحيحة التى تخرج من فمك فى الصباح. كان حسين مباشراً وسريعاً، الأمر الذى باغت المدير، ولم يسمح له بالمقاطعة حتى انتهى الشاب من كلامه. نظر عصمت إليه فى ذهول: أنت فى كامل قواك العقلية يا بنى؟. قال حسين: أتوسل إليك.. أنا فى حاجة إلى إجابة تنهى حيرتنا ولن أنسى جميلك هذا أبداً. صرخ المدير: إن أى جزاء إدارى أوقعه عليك لن يكون كافياً.. إننى سأطلب لك مستشفى المجانين حالاً. رد حسين ضاحكاً: وهل تنوى أن تزوجنى هنّومة؟.. قالها ثم أطلق ضحكة عريضة، وقام فأعطى ظهره للمدير وانصرف.
فى اليوم التالى كان قسم الموارد البشرية بالشركة يقوم بإعداد جواب فصل للموظف المستهتر، أما حسين فقد اتخذ مقعده داخل الطائرة فى الطريق إلى أمريكا بعد أن فاز فى قرعة الهجرة السنوية.
الغريب أن عصمت بيه بعد ذلك كان يرد تحية الصباح بشكل واضح: صباح النور!