بقلم - أسامة غريب
بخصوص الضجة المثارة حول جمعيات حقوق الإنسان، طالعنا آراء تحمل بشدة على بعض المؤسسات والأفراد فى أوروبا وأمريكا، وتشجب تدخلهم فى شؤون داخلية لا تعنيهم، وعلى العكس من هذه الآراء كان هناك من أبدوا الغضب، لكن بسبب أن تدخل الغرب لم يكن بالقدر الكافى ليشمل الحديث عن مسجونين آخرين من تيارات أخرى. يعيدنا هذا إلى حقيقة يعلمها الجميع لكن يتغافلون عنها، وهى أن الإنسان يتعاطف مع الإنسان الذى يشبهه، بينما يفقد التعاطف مع الإنسان المختلف عنه والمختلف معه. هذه هى حقيقة البشر منذ أيام آدم حتى الآن. وتستطيع أن تقول بضمير مستريح إن كل الذين يبدون الغضب لأن الغرب لا يتدخل من أجلهم.. هم أنفسهم لم يكونوا ليتدخلوا لأجل أى أحد لا ينتمى لجماعتهم أو طائفتهم أو حزبهم. الجميع يتذكرون فولتير ومبادئه الطوباوية عن الحرية والمساواة فقط عندما يكونون فى حاجة إلى النجدة والمساعدة.. أما عندما يكونون على البر بعيدًا عن الموج فإنهم لا يحفلون بأحد.
لهذا عندما يتدخل الغرب لأجل أحد المقبوض عليهم فى بلادنا فإنه يتدخل لصالح من يتماهون مع القيم الغربية. لا أقول إنه يتدخل لصالح عملائه بالضرورة، لكنه يتدخل لصالح من يؤمنون بأفكاره، والمسألة فى رأينا يمكن تفسيرها بأنهم فى أوروبا وأمريكا ليس من المتصور أن يبذلوا جهدًا لأجل الإفراج عن شخص يصفهم بالغرب الصليبى الكافر، ويحلم هو ورفاقه بأن يحاربوهم فى عقر دارهم ويتغلبوا عليهم ويأخذوهم أسرى ونساءهم سبايا ويغنمون أموالهم وممتلكاتهم بعد أن يقيموا دولة الخلافة التى يتحقق كل ما سلف تحت ظلال رماحها!. كيف يوجد من يعتقد أن دول الغرب تنفق أموال دافعى الضرائب من مواطنيها لأجل الدفاع عمن يتوعدها بالهزيمة؟ هل كان يمكن أن يتطوع الإنجليز بالإنفاق على جمعيات تسعى للإفراج عن النازيين؟ هذا غير متصور، لكنهم قد يتطوعون للإنفاق على ألمان يؤمنون بالمبادئ البريطانية، أما على الأرض فالانحيازات لها الغلبة، وعلى سبيل المثال كلنا نذكر الشخصيات التى كانت تذهب إلى القذافى وصدام حسين والأسد، ثم تعود محملة بالمال لتثرى وتنتعش وتنفق على النضال!..
هل كان صدام يدفع المال لشخصيات تنتمى للتيار الليبرالى المؤمن بالحريات؟.. أبدًا. هل كان القذافى يمول رموزًا تنتمى للسلفية الجهادية؟ أبدًا.. كان القذافى وصدام يدفعان المال للإخوة المؤمنين بحتمية الحل الحنجورى أو الذين يدّعون الإيمان بهذه الحتمية. ليس من المتصور أن يغدق صاحب الكتاب الأخضر على من يناضلون لأجل إقامة انتخابات حرة فى بلاد العرب، لكنه كان ينفق على من يشاركونه الإعجاب بنظرياته العابرة للحدود، وتجربته الرائدة فى إقامة الجماهيرية العظمى!. لذا فإننى أدعو السادة الغاضبين، الذين يأملون فى الحصول على العطف الأوروبى والأمريكى، أن يهدأوا، وأن يجربوا هم أولاً الإيمان بحقوق الإنسان قولاً وفعلاً، ولا يتأتى هذا إلا بعد أن يهجروا إلى الأبد نظرية «الأغيار» التى يتعاملون بها مع كل من عداهم.. عندها فقط يحق لهم أن يندهشوا إذا ما تخطاهم الغوث الخارجى!.