بقلم - أسامة غريب
في الأيام الأخيرة من حكم ترامب يمكن أن يكون للتحشيد العسكرى في الخليج أكثر من دلالة وذلك على ضوء الجهة التي تتحمل التكلفة المالية الكبيرة لحشد أسطول يضم حاملات طائرات وسفن إمداد ومدمرات وفرقاطات وبطاريات صواريخ وأجهزة تشويش وإعاقة، علاوة على قاذفات قنابل طارت آلاف الأميال لتحلق بالقرب من الأجواء الإيرانية، غير الغواصة الإسرائيلية التي عبرت قناة السويس في طريقها للخليج وهى طافية على سطح الماء ليراها الجميع وتصل الرسالة. لو كان المواطن الأمريكى دافع الضرائب هو من يتحمل التكلفة فإن هذا الحشد ذاهب للحرب لا محالة، وقد تتعطل الشرارة الأولى ريثما تكتمل القوات بمزيد من الجنود اللازمين لمعركة قد تطول. أما إذا كانت دول الخليج العربية هي التي تتحمل فاتورة ما سبق كله فإن هذا قد يعنى أن الأمريكان غير جادين في تهديداتهم ضد إيران وإنما يهدفون منها إلى إثارة الذعر لدى العرب وحملهم على دفع ما سوف يطلبه منهم بايدن أيضاً، فالابتزاز ليس سمة ترامبية وإنما هو سياسة أمريكية دائمة، أما ترامب فكل ما فعله أنه عبر عنها بفجاجة وقلة أدب!.
ومن الواضح أن أهداف التحشيد العسكرى الأمريكى تتعدد لتشمل خوض حرب نفسية ضد إيران لا تكلفهم شيئاً، غير أن قراءة إيران للمشهد، تلك القراءة التي تختلف عن القراءة العربية لنفس المشهد، تجعل الإيرانيين يتصرفون بثبات رغم فارق القوة بين الطرفين. إن وصول حاملة الطائرات النووية إلى بحر العرب هو رسالة، وكذلك إصابة سفينة بميناء جدة على البحر الأحمر هي رسالة أيضاً. الإيرانيون فهموا الرسالة الأمريكية وأدركوا أنها دعوة للجلوس حول مائدة المفاوضات وهم تحت ضغط الخوف من العدوان، والأمريكان فهموا الرسالة الإيرانية وأدركوا أنها تعنى أنه لا الإمارات ولا السعودية بإمكانها أن تستمر بالوفاء بالإمدادات البترولية في حالة الحرب، وذلك بعد أن طالت يد الحوثى لتضرب أهدافاً على بعد مئات الأميال!.
وعلى الرغم من الكلفة الرهيبة للحرب إن وقعت، فإن موقف بعض العرب المحرض لترامب على المضى قدماً وعدم التراجع عن ضرب إيران في الدقائق الأخيرة يعتبر غير مفهوم وغير منطقى، إذ إن الرد الإيرانى على الضربات الأمريكية لن يتوجه إلى نيويورك أو لوس أنجلوس، لكنه سيتجه إلى حيث أقلعت الطائرات المغيرة وإلى حيث انطلقت الصواريخ المهاجمة، ومهما كان حُسن ظن العرب بنوايا أمريكا فإنها في كل الأحوال لا تعمل كبلطجى أجير يمكنك دفع أجرته وتكليفه بمهام على مزاجك، لكنها تعمل بالأساس لتحقيق أمن إسرائيل على حساب حقوق وأموال العرب.. ومهما كان حُسن ظن العرب بقوة أمريكا فإن ضرباتها لن تكون بلا رد، وهذا الرد قد يكلف العرب بكل أسف مدنهم العامرة وحقول نفطهم ومحطات تحلية مياههم والتضحية برفاهيتهم ودخولهم إلى نادى الدول الفاشلة إلى جوار سوريا والعراق واليمن والصومال.