حياة غالية وأخرى فالصو

حياة غالية وأخرى فالصو

حياة غالية وأخرى فالصو

 صوت الإمارات -

حياة غالية وأخرى فالصو

أسامة غريب
بقلم - أسامة غريب

حوادث الطائرات نادرة الحدوث، وإذا وقعت فإن إجراءات صرف التعويضات لأسر الضحايا تأخذ أشكالًا عديدة. بعض الورثة يقنعون بالمقابل الذى تقرره شركات التأمين طبقًا لتعاقداتها مع شركات الطيران، وبعضهم يرفضه ويلجأ للقضاء.
هناك حالة لكارثة طيران شهيرة كان الضحايا فيها من جنسيات متنوعة، وما حدث أنّ جانبًا من أسر الضحايا تم تعويضه رضاءً، لكن جانبًا آخر أصر على الذهاب للمحكمة ليقرر القاضى حجم التعويض الذى يستحقه أهل المتوفى طبقًا لمكانته وللأضرار التى وقعت على الأسرة من جراء غيابه الأبدى. معظم من لجأوا للقضاء كانوا من الدول الغربية، أما الذين وافقوا على استلام التعويض الذى قررته شركة الطيران كانوا من بلاد العالم الثالث. والمعتاد عند الاحتكام للقضاء أن يقدر القاضى التعويض مسترشدًا بحجم الضرر الواقع على أهل الضحية، ولديهم أن المتوفى ذا الدخل المرتفع يشكل خسارة لأهله أكبر من المتوفى الفقير، والمتوفى شابًا الذى حُرم أطفاله من رعايته يكون تعويضه أكبر من الشيخ العجوز الذى نعم أولاده به طويلًا..

وهكذا. غير أن أغرب دفاع قدمه للمحكمة محام عن أسرة سويسرية فقدت ابنها الشاب يبرر به التعويض الضخم الذى طالب به هو قوله لهيئة المحكمة: إن الفقيد الذى كان متمتعًا بالجنسية السويسرية، والذى كان يعيش بمدينة جنيف، ينتمى لدولة حققت لأهلها دخلًا مرتفعًا ورفاهية لا حدود لها، وبالتالى فإن الحادث قد حرمه من حياة مترفة سعيدة كان مفترضًا أن يعيشها، على العكس من آخرين لا توفر لهم دولهم غير أسباب الشقاء والتعاسة!.. ومضى المحامى فى مرافعته: كما أن دولة كسويسرا لم توفر المستوى المادى المرتفع فقط، وإنما قدمت الأمان أيضًا.. هل تعلم يا حضرة القاضى أن الناس فى سويسرا بوجه عام لا يموتون إلا بسبب الشيخوخة، يحدث هذا بعد أن يقضوا بالدنيا أطول فترة مريحة يمكن أن يقضيها إنسان.. وهل تعلم أن أكبر معمرى العالم موجودون هناك، فالناس لا يموتون فى سويسرا بسبب نقص الغذاء أو افتقاد الرعاية الصحية، ولا يموتون بسبب التلوث الموجود فى الماء أو الهواء، كما أنهم لا يفقدون حياتهم فى حوادث المرور إلا فيما ندر، فضلًا عن أن سويسرا دولة محايدة لا ترسل أبناءها لمحاربة الناس فى بلاد أخرى، وبالتالى ليس لها جنود معرضون للموت فى كوسوفو أو فى العراق، ولا تقوم حتى بالمشاركة فى قوات حفظ السلام فى أى بؤرة متوترة من العالم، لأنها ليست أصلًا عضوًا بالأمم المتحدة.. لكل هذا فإن حياة الإنسان السويسرى غالية، والتعويض عنها لا بد أن يكون متناسبًا مع أهميتها.

أدركتُ بعد أن قرأت دفاع المحامى لماذا قبل غالبية أهالى الضحايا من بلدان العالم الثالث التعويض المقرر ولم يلجأوا للقضاء، إذ لم يكن بوسع أى محامٍ أن يتحدث عن الرفاهية ولا عن العمر الطويل أو الموت بفعل الشيخوخة، فالموت عندهم بسبب الإهمال والفساد والجشع هو الأصل، والحياة الطويلة الجميلة هى شىء ينتظرونه فى الآخرة!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة غالية وأخرى فالصو حياة غالية وأخرى فالصو



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates