بقلم - أسامة غريب
لقد قطعت إيران شوطًا لا بأس به على طريق التصنيع العسكرى، وكان الحصار الأمريكى الأوروبى حافزًا كبيرًا فى اعتماد الإيرانيين على أنفسهم بعد أن سدت فى وجوههم سبل استيراد السلاح، وكذلك استيراد التكنولوجيا الصناعية ابتداءً من صناعة أقلام الجاف حتى صناعة الصواريخ. ومع ذلك، ورغم ما حققه الإيرانيون، فإنه يبدو أن الفجوة بينهم وبين إسرائيل مازالت واسعة، خاصة أن الولايات المتحدة تضع تحت تصرف إسرائيل كل مخرجات العقول فى المؤسسات العلمية الأمريكية.
كانت عملية اغتيال العالم الإيرانى فخرى زادة شديدة الدلالة على ما وصلت إليه أجهزة الاستخبارات من تطور تكنولوجى فى عمليات الاغتيال السياسى، حيث صار بالإمكان زرع مدفع رشاش على جانب أحد الطرق وتركه لأيام عديدة مع متابعته ورصده من خلال الأقمار الصناعية، وفى اللحظة المحددة يتم توجيه الرشاش نحو الهدف وإصدار الأوامر إليه بالانطلاق وحصد الأرواح. هذا ما حدث فى عملية قتل العالم الإيرانى، طبقًا لما صرح به المسؤولون الأمنيون فى إيران. تبدو مشكلة طهران حاليًا معقدة ومتعددة الجوانب، فبينما تمكنت فى العام الماضى من إحراز تفوقات ملموسة ضد الخصوم، مثل قصف معامل أرامكو السعودية دون اعتراض طائراتها المُسيّرة، ومثل قدرة الدفاع الجوى الإيرانى على إسقاط الطائرة الأمريكية «جلوبال هوك»، فخر الصناعة الحربية الأمريكية بكل تكنولوجيتها المعقدة، بصاروخ ضرب الطائرة على ارتفاع عشرين كيلومترًا فى السماء..
كان هذا فى العام الماضى.. أما عام 2020 فكان عام الإخفاق الإيرانى الملموس، حيث قُتل قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، قرب مطار بغداد فى الثالث من يناير دون أن تستطيع إيران أن ترد بقتل عنصر أمريكى واحد.. صحيح أن الإيرانيين قصفوا قاعدة عين الأسد الأمريكية فى العراق بزخة صواريخ، لكنها كانت عملية محدودة لرفع الروح المعنوية ليس أكثر، كما تعرضت القوات الإيرانية طوال العام لقصف إسرائيلى متصل ومكثف فى سوريا، وكانت هذه الغارات كلها تقريبًا بلا رد، ودائمًا بعد كل غارة كانت تتصدر نشرات الأخبار العبارة التالية: «سوف نرد فى الزمان والمكان الذى نحدده ولن نسمح للعدو بأن يستدرجنا إلى حرب من اختياره!». إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لا تردد مثل هذه العبارات وإنما ترد على الفور على أى استهداف لجنودها أو مواطنيها. مشكلة إيران أن قدرتها فى الرد على عمليات الاغتيالات الإسرائيلية بوسائل مخابراتية مماثلة لا تبدو كبيرة.. المتاح هو قوة صاروخية جبارة يمكن أن تُحدث تدميرًا كبيرًا، لكن الثمن سيكون حربًا مفتوحة يمكن أن تقوض كل ما بَنته إيران عشرات السنين. هذا هو مأزق إيران الحالى، فإما أن ترد بقصف مدينة حيفا وتدميرها كما دعا بعض أعضاء البرلمان الإيرانى، وإما أن تمتنع عن الرد. التحدى الذى يواجه إيران الآن هو العمل على رتق الخروق الأمنية، وردم الفجوة التكنولوجية بينها وبين أعدائها، حتى تتمكن من الرد الفورى على أى عدوان دون أن تهدم المعبد على رأس شعبها.