بقلم - أسامة غريب
حظيت مباراة الأهلى والزمالك فى نهائى بطولة إفريقيا باهتمام ومتابعة من كل أطياف الشعب المصرى. من قبل أن تبدأ المباراة بدأت المساجلات بين أنصار كل فريق، وظهرت إسهامات على وسائل التواصل الاجتماعى سجل فيها المشجعون آمالهم وانطباعاتهم بالنسبة للماتش، ولم يَفُتْ أغلبهم أن يسخروا من الفريق الخصم وأنصاره ويتوعدوهم بالهزيمة المذلة التى تُلحق بهم العار الأبدى!
لم أشاهد المباراة لكنى تابعت ما حولها من جدل، ورصدت الفرحة العارمة لدى الأهلاوية، والحزن ومحاولات التبرير لدى الزملكاوية، وعدت بالذاكرة إلى أيام كنت تلميذًا بالمدرسة على زمن «الخطيب» وحسن شحاتة. كنت أحب الكرة، لكن ما كان يحدث فى المدرسة عقب مباريات القمة كان يصدمنى بشدة، ولا يتناسب مع مباراة كرة ستتلوها مباريات مادامت الحياة مستمرة. كنت أرى حزنًا يشبه حزن مَن مات أبوه فى حادثة مفاجئة.. كما كنت ألمس فرحًا يساوى مَن فاز بورقة لوتريه ستنقله إلى مصافّ الأثرياء. كان هذا يزعجنى وينكد علىَّ، لدرجة أننى تعودت أن أغيب عن المدرسة فى اليوم التالى للمباراة حتى لا أعيش الهستيريا الطازجة التى تعصف بالعقول. أسهم فى انصرافى عن متابعة كرة القدم المحلية رؤيتى للمشجعين وهم يحضرون حمارًا ثم يُلبسونه فانلة الفريق المهزوم ويكتبون عليه اسم أبرز لاعبيه ويطوفون به وهم يصرخون ويتضاحكون. لم أفهم أبدًا هذا النوع المتوحش من المرح ولم أعرف كيف تتم السخرية منى وإهانتى وشتمى لمجرد أن لاعبًا لا صلة لى به أخفق فى إحراز هدف أو لأن لاعبًا آخر نجح فى التهديف، ولم أهضم كذلك أن أنسب لنفسى نصرًا لم أسهم فيه أو أن يبلغ بى الشطط أن أتصور نفسى صاحبه ثم أضعه فى سيرتى الذاتية باعتباره من ضمن إنجازاتى فى الحياة!
من التصريحات الجديرة بالتقدير ما قاله مارادونا بعد الفوز بكأس العالم عام 1986.. قال: إننا فزنا فى اللعب.. بقى للشعب الأرجنتينى أن يفوز فى الجد، ذلك أن هذا النصر فى الملعب لن يحمل الطعام إلى الصحاف الفارغة لملايين الجوعى!
من أسباب عدم تقديرى للنشاط الكروى المحلى أننا نخلق لأنفسنا أبطالًا قيمتهم أقل بكثير مما ينبغى أن يكون لنا. لم أنكر أبدًا على اللاعبين حقهم فى الشهرة والفلوس، لكن يؤسفنى أن أرى معظمهم لا يتحلون بأى قدر من الثقافة يسمح لهم بأن يتحدثوا أمام الشاشات بجمل مفيدة مترابطة! وأرى من الأفضل مادام حب الناس للكرة لن يفتر أن يكون هناك حرص على تعليم اللاعبين وتأهيلهم حتى لا يكون اللاعب الذى يتخذه ملايين الشباب قدوة زلنطحيًا جاهلًا! وحتى لو كانت هذه الهستيريا مقصودة لذاتها لأنها تحقق قدرًا كبيرًا من الإلهاء والتنفيس وتسحب الغضب بعيدًا فى مسارب مأمونة، فإنها تسحب من إنسانيتنا. هناك نكتة قديمة أذكرها للفنان مصطفى حسين نشرها عقب كأس العالم 1982.. رسم فنان الكاريكاتير محاميًا فى طريقه لرفع دعوى ضد أفراد فريقنا بتهمة النصب والاحتيال بعد أن رأينا الكرة الحقيقية فى المونديال!