بقلم - أسامة غريب
الفنان كمال الطويل لم يكن يُقبل على المشاركة فى البرامج واللقاءات التليفزيونية، وكان ظهوره عزيزًا للغاية، ولعل من حظه وحظنا أن السهرة التليفزيونية المتاحة معه كانت فى برنامج من تقديم الروائية والإعلامية ليلى الأطرش التى تجلت ثقافتها وإلمامها بالضيف وأعماله وفكره الموسيقى العالى فى هذه الحلقة. عندما سألته عن أعماله القليلة مع أم كلثوم فإنه روى قصة لطيفة ذات دلالة، وخلاصتها أنه قبل احترافه الفن كان قد حضر من الإسكندرية حيث مكان إقامته، إلى القاهرة فى زيارة لصديقه عازف الكمان المشهور وقتها أنور منسى. عندما سأل عن منسى أخبروه أنه فى معهد الموسيقى.. وبالفعل ذهب الطويل إلى هناك وتناهى إلى سمعه موسيقى تُعزف داخل إحدى القاعات، ففتح الباب ووجد الأستاذ محمد عبدالوهاب مع الفرقة يقوم بعمل بروفة لأغنية «اتمخترى واتمايلى يا خيل» للفنانة ليلى مراد. يقول كمال الطويل إنه اتخذ كرسيًا وجلس فى هدوء، لكنه فوجئ بالأستاذ عبدالوهاب يوقف البروفة وينظر نحوه فى ضيق مما جعله يشعر بحرج ويقوم ويغادر المكان. بعد ذلك قام أنور منسى بتهدئته وقال له: عندما تصبح موسيقيًا مشهورًا سوف تعرف أن الملحن وقت البروفة يكون مكشوفًا كما لو كان عاريًا، وهو فى هذه الحالة لا يحب لغريب أن يطلع على عمله. يمضى الملحن الكبير قائلاً: تمر السنوات وأقوم بعمل لحن «غريب على باب الرجاء» لأم كلثوم من كلمات طاهر أبوفاشا، وفى أثناء عمل البروفة فى نفس المكان بمعهد الموسيقى أُفاجأ بعبدالوهاب يفتح الباب ويدخل.. نفس الموقف القديم لكن الأدوار تبدلت، وقد انتظرت أن ترحب به أم كلثوم، لكنها لم تفعل، فقمت مسرعًا بالترحيب بالأستاذ وأكملنا البروفة.
المفارقة أن الطويل لم يغضب لحضور عبدالوهاب ولم يشأ أن يرد له موقفه الفاتر السابق قبل عشر سنوات، لكن أم كلثوم هى التى تطيرت وقالت: اللحن ده اتشمّ يا كمال!. لم يفهم كمال كيف يمكن للحن أن «يتشم» وهو المصطلح الشعبى الذى يقال عن الطعام إذا فسد!.. لكن تعليق أم كلثوم التصق بذهنه وجعله راغبًا فى سحب اللحن ومحوه كأنه لم يكن، لهذا فقد طلب منها ألا تسجله، لكنها لم توافقه وتم تسجيل الأغنية وأذيعت فى السهرة الإذاعية «رابعة العدوية» التى قدمتها الإذاعة فى نهاية الخمسينيات. يقول كمال الطويل إنه وعلى الرغم من الصداقة الطويلة التى جمعته بموسيقار الأجيال إلا أنه لم يحدثه عن الموقف القديم، ولا عبدالوهاب أيضًا قام بفتح الموضوع، ومع ذلك فقصة اللحن المشموم ظلت عالقة بذهنه، وقد تكون ضمن الأسباب التى جعلت هذا اللحن آخر ما قدم لسيدة الغناء العربى فى مشواره القصير معها.
السؤال الذى يرد على خاطرى هنا: مادام التشاؤم كان يحل عليهم إذا اطلع زميل منافس على اللحن الجديد، فلماذا كانوا يتركون الباب قابلاً للفتح، ولماذا لم يضعوا عليه من يمنع المتطفلين من الدخول؟ أظن والله أعلم أنهم كانوا لا يمانعون من أن يتشم اللحن، حتى إذا فشل أو لم يصادفه النجاح المأمول كانت الحجة جاهزة: اللحن اتشم!.