بقلم - معتز بالله عبد الفتاح
- هناك قائد دولة «صنيعى» وهناك قائد دولة «ساذج» ولا أعرف إن كان يستحق هذا الأخير أن يوصف بلفظة قائد دولة، وإذا اختار قائد الدولة مجموعة من المستشارين الإمعات الذين يخافون مواجهته بالحقائق أو وجهات النظر المعارضة، فسينطبق الوصف عليه وعلى الطبقة السياسية كاملة.
2 - هناك قائد دولة يجعل الناس يثقون فى فكرة الاستقلال الذاتى للدولة relative autonomy of the state أى أن الدولة ليست مجرد أداة فى يد جماعة أو مجموعة، وحتى نفهم معنى المصطلح وأهميته فى فهم ما يحدث فى المنطقة العربية فلنتعرف على مقابله وهو «التبعية المطلقة» بحيث تتحول الدولة إلى أداة أو «هيئة أركان» لأسرة أو قبيلة أو حزب أو طبقة أو فئة أو جماعة أو عرق أو طائفة حاكمة أو تريد أن تحكم عبر تطويع وترويع وتركيع المواطنين من أجل مصالح الحاكمين والمتحكمين.
3 - لو أخذنا لبنان كمثال، فإن هناك توجها لدى الرأى العام اللبنانى من سنوات عدة بأن لبنان قد تحول إلى أداة فى يد الطبقة المسيسة بما أحدثه هذا التوجه الجارف بين الناس بأن انقساما أفقيا جعل قمة الهرم السياسى منفصلا عن قاع الهرم السياسى، ومن هنا جاءت عبارة «كلن يعنى كلن»، بمعنى التمرد ضد كل الطبقة السياسية، وهو ما يضاف إلى الصراع بين الطوائف لاقتسام عوائد الدولة الاقتصادية والسياسية «الفلوس والنفوذ» وهذا انقسام رأسى كذلك.
4 - مصر قبل 2011 تحولت من وجهة نظر قطاع واسع من المواطنيين إلى هيئة أركان الأسرة الحاكمة (الأب ومن خلفه الابن) ومن خلفهما كتيبة الحزب الحاكم المتحالفة مع رجال الأعمال الذين يفعلون كل ما يستطيعون لتمكين الأسرة من حكم البلاد سواء بالتزوير أحيانا أو بإزاحة الخصوم أحيانا إلى أن جاءت نتائج انتخابات 2010 ثم عبارة الرئيس مبارك آنذاك: «خليهم يتسلوا» وهنا خرج قطاع من المصريين على فكرة أن تكون دولة مصر أداة فى يد أسرة أو حزب أو طبقة.
5 - وهو نفس ما صدره الإخوان للمشهد خلال فترة حكمهم لمصر من خلال نظرية «أهلى وعشيرتى» التى قال بها محمد مرسى حين كان رئيسا للبلاد، فلم تكن مجرد عبارة عابرة ولكنها، من وجهة قطاع واسع من المصريين، ترجمة لسعيهم للسيطرة على مفاصل الدولة من أجل تحويلها إلى مجرد أداة تركيع للمواطنين تحت اسم طاعة الدولة سواء كان ذلك تطويعا من خلال السيطرة على العقول أوترويعا من خلال القمع والقهر والعنف، أو الاثنين معا، ومن هنا جاءت ثورة 30 يونيو.
6 - أهل جنوب السودان كانوا يرون أن الدولة السودانية المحكومة من الخرطوم هى أداة بطش فى يد الشمال ضد الجنوب، فى يد الإسلامويين ضد غير المسلمين، فى يد المتحدثين بالعربية فى مواجهة غير متحدثى العربية، فى يد المتنفذين ضد المستضعفين. واستمر نضالهم ضد أداة البطش والقمع والتركيع والترويع والتطويع هذه حتى حصلوا على استقلالهم.
7 - طيب ما الحل إذا وقعت دولة ما فى فخ الدولة التابعة لفئة أو حزب أو جماعة أو طبقة وحدث التمر والفوضى؟
8 - بديلان كبيران: إما بديل بوتين أى الحاكم القوى الذى يقبض على مؤسسات الدولة ويقضى على الصراعات البينية التى تعطل الدولة وتنال منها ولا يظل فوق الترابيزة إلامن يدين بالولاء للدولة الوطنية كما يعرفها الحاكم القوى، أو بديل نيلسون ماندلا الحاكم الليبرالى الديمقراطى التصالحى الذى يجمع المتصارعين على مائدة الوطنية الجامعة بعد أن يتناسى الجميع أسباب الصراع والتنافس. وكلاهما حل مؤقت إلى أن تبنى هذه القيادة مؤسسات تتمتع بالاستقلال الذاتى عن مكونات المجتمع المتصارعة.