على هامش الموت

على هامش الموت

على هامش الموت

 صوت الإمارات -

على هامش الموت

سحر الجعارة
بقلم: سحر الجعارة

كان صوت (أم كلثوم) يسيطر على عقلها ووجدانها، وتسرى رجفة عشق وشوق فى أوصالها: (أوقدوا الشموس.. انقروا الدفوف/ موكب العروس.. فى السما يطوف/ والمنى قطوف.. انقروا الدفوف/ الرضا والنور والصبايا الحور.. والهوى يدور/ آن للغريب أن يرى حماه.. يومه القريب شاطئ الحياة).

لقد بدأت رحلة الصعود، تغطيها ملاءة حريرية بيضاء أرق من ريش الملائكة المرافقين لها.. لم تعد مضطرة- بعد اليوم- أن تنظر إلى الخلف.. لن ترى أقنعة الزيف والخداع تعلوها ابتسامة صفراء بلهاء، تجمل كلمات فارغة عن قيمة الحياة ودورها فى تغيير الواقع.. إنه موكب الرحيل. لم تسأل نفسها ما الذى ينتظرها فى السماء، بداخلها يقين أن ما آمنت به (حق).. وأن الجنة حق والنار حق.. وأن وعد الله حق. تشدها ضوضاء من الغرفة المجاورة، لقد اقتحموا المنزل قبل أن أتم رحلتى، قرروا أن يحرمونى من لحظاتى الأخيرة على وجه الأرض.. إنهم الورثة!.

صوت نسائى: لماذا تتعجل فتح الخزانة الحديدية؟

صوت رجالى: ربما تكون قد كتبت وصية لإحدى الجمعيات الخيرية.

امرأة عجوز: «فال الله ولا فالك».

رجل آخر: ألم تكتف يا عمة بما منحته لك؟.

الصوت النسائى: سأفتش فى دولابها.

انتظرى، إلا الدولاب، لماذا لم أتحسب لهذا اليوم وأعدم تذكاراتى الصغيرة: (هنا زجاجة عطر لم أمسسها هدية- عيد الأم- من الرجل الوحيد الذى أحببته، وكان لى ابنًا وأخًا وعشيقًا وزوجًا.. ترقد إلى جوارها بيجامة تحمل رائحة الليلة الأخيرة قبل أن يرحل عنى).

أرجوك- يا أختى- لا داعى لبعثرة أيامى بيد الطمع، إنها أشياء لا تساوى لك شيئًا. انظرى، هذا زى المدرسة الثانوية، وطرحة أمى، وملابس إحرام أبى لأداء فريضة الحج.. وفستان زفافى الذى اصفر مع الأيام.. اتركيها للذكرى.

شقيقتها: أين الذهب والألماس؟.. ها هو مفتاح الخزينة.

شقيقها: يا فالحة، الخزينة لها أرقام سرية.

شقيقتها: لابد أنها أرقام عيد ميلاد ابنتى التى ربتها.

شقيقها: هنشوف.. هى اللوحات دى أصلية؟.

العمة: أيوه، والسجاد حرير إيرانى.

شقيقتها: خلّى بالك.. الدهب للنساء: أنا وأختى وعمتى.

الشقيق: يبقى السجاد لزوم جهاز بنتى، وأسيب لكم الدهب والمجوهرات.. أختك راحت فين، اتفقتم مع شركة متخصصة فى تغسيل الأموات وإجراءات الدفن والاتفاق مع المقرئ والطباخ.. أم لا؟. تهمس بصوت مجروح: (أختى، أوصيتك أنى لا أريد سرادقًا ولا عزاء.. هل نسيت).

دخلت الشقيقة الكبرى: (رجعوا كل شىء لأصله).

الشقيقة الصغرى: جمعت لك طقم الصينى الألمانى حسب رغبتك، والطقم الكريستوفل.

الشقيقة الكبرى: رجعى كل شىء لأصله.

الشقيقة الصغرى: ليه هتطلع متجوزة بدون علمنا؟.

الشقيقة الكبرى: تبقى نكتة!.

الآن، تشعر بأنها تتنفس بيسر، لم تعد بحاجة لجهاز تنفس صناعى، فهل اكتملت رحلة صعودها؟.. تشعر بأنها خفيفة لدرجة أنها أوشكت أن تقول لهم: (كلموا جمعية «رسالة» تاخد كتبى.. وأحرقوا مذكراتى الشخصية)

مذكراتى، من منحهم حق انتهاك ذاكرتى، والعبث بوجدانى وعقلى، وإحصاء أنفاسى على الدنيا؟.. آاااه لو كنت أنجبت بنتًا لكانت حافظت على أسرارى.

هل سيفتشون أدراجى الخاصة، وينشرون ملابسى الداخلية على الملأ ويراها أخى؟.

لماذا لا يكتفى الورثة بالدمع والمال؟.

وكأنهم يأكلون بعض لحمى قبل أن تلتهمه ديدان القبر، ويعرون عظامى من سترها.. هل أصبحت مجرد «هيكل عظمى» لا يستحق نظرة وداع؟!. انظروا، مازلت هنا بينكم.. أرى أفعالكم وخستكم.. آاااااه لو أملك صوتًا أو تأشيرة عودة لأعاقبكم!.

الشقيقة الكبرى: جاء الطبيب ليصدر شهادة الوفاة.

الطبيب: هل كانت أختك تعانى أمراضًا مزمنة؟.

الشقيقة الكبرى: كانت مريضة بالقلب والسكر والضغط.

الطبيب: أختك تعانى غيبوبة سكرى.. مازالت على قيد الحياة!.

مدّت يدها بوجل وخوف، تريد أن يمسكها الطبيب لتصدق أنها على قيد الحياة.. تريد أن تخبره أنها سمعت شدو الملائكة ورأت روحها تصعد للسماء بثوب أبيض مطرز بالياسمين.. وأنها نقشت اسمها عند سحابة بيضاء وأوصت الهدهد أن يردد اسمها كل صباح. قاومت جفاف حلقها، وشدت أحبالها الصوتية، وأمسكت يد الطبيب وبصوت خافت قالت: (أبلغهم أن اللوحات ليست أصلية، وأننى بعت مجوهراتى من أجل العلاج واشتريت بدلاً منها فضة، حتى «الكريستوفل» ليس إلا معدن مطلى بالفضة.. لا داعى لفتح أدراجى الخاصة.. ولا داعى لأن أرى وجوههم بعد الآن).

اذهبوا إلى الجحيم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على هامش الموت على هامش الموت



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 08:03 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 09:10 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير البيئة والمياه يكرّم مصمم لعبة "أبحر"

GMT 19:20 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

القبض على أسقف في الفاتيكان بتهمة الاختلاس

GMT 19:06 2013 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

علمى طفلك كيف يتصرف بطريقة جيدة

GMT 19:23 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

مطالبات في بريطانيا بحظر بيع هواتف محمولة بحجم أصبع اليد

GMT 08:44 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الإضاءة المناسبة للتغلب على ضيق المساحات

GMT 08:11 2019 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

أبرز صيحات الحقائب من أسبوع الموضة في ميلانو لخريف 2019

GMT 02:02 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

جزر الكناري تخفض أسعارها للرحلات الشتوية

GMT 02:50 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتّكالُ على أميركا رهانٌ مُقلِق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates