المناضل الحقيقى لا يختار بين حريته وحياته، لأنهما متطابقتان، لهذا كانت «الفاشية الدينية» التى سيطرت على مصر خلال عام من حكم جماعة الإخوان الإرهابية بالنسبة لنا مسأله «حياة أو موت».. وهذا الإدراك طبيعى بالنسبة للنخبة المثقفة، لكن أن يرفض شعب بأكمله أن تحكمه «جماعة» بميليشياتها ومفتييها، جماعة لا تعترف بالسيادة الوطنية: (مهدى عاكف: حاكم مسلم ماليزى لمصر أفضل من مسيحى مصرى).. هذا الشعب أدرك بفطرته السوية أن الوطن يتفتت، فالإسلام ليس وطنا، والوطن لا يمكن اختزاله فى «جماعة»، والجماعة هى عنوان الانتهازية السياسية التى تحكم باسم الله.
بحث الشعب عن بعثة العناية الإلهية لإعادة الخلافه الإسلامية إلى العصر الحديث، فوجدوا «قتلة السادات» يرقصون على جثته فى الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر، وجدوا رئيسا بدرجة «خائن» يلاحقه المستشار «خالد محجوب»، رئيس محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية، المعروف إعلامياً بقاضى «اقتحام السجون»، ويسلمنا رؤوس الإرهاب التى قامت بالتخابر واقتحام السجون.. أدرك الثوار الفرق بين «الإرهاب والجهاد» وسددوا ثمن المعرفة من دمائهم.. وعرفوا طريقهم إلى قصر الاتحادية.. وهناك دارت وقائع أهم استفتاء- فى التاريخ- على الحكم الدينى.
لم يكن سقوط الإخوان عن عرش مصر سقوطا سياسيا فحسب، بل كان سقوطا على الطغيان باسم الدين، سقوطا لنمط حياة: (دستور وإعلان دستورى بعده يمنحان الرئيس سلطات إلهية مطلقة، ضرب القضاء فى مقتل وتجميد سلطاته، ميليشيات لمرتزقة من سوريا وفلسطين تمزق جسد الوطن).. إلخ ما اعتبرناه- آنذاك- احتلالا وليس حكما مدنيا.
هذا الشعب تصدى بجبروت لميليشيات «المغير» ليثبت أنه يملك إرادة التغيير، لم يكن يملك إلا إشارة من القوات المسلحة، حين كانت الطائرات الحربية تقذف الأعلام فوق المتظاهرين، لتؤكد بذلك أن هناك دعمًا لإرادة الشعب مهما كانت.. والآن علينا أن نسأل: ما الذى تبقى من حكم الإخوان؟!.
تبقى تنظيمات إرهابية استوطنت «سيناء» تدين بالولاء «المبايعة» لأمراء شتى، وتعتمد فى تخطيطها للعمليات الإرهابية وتسليحها وتجهيزها «الدعم اللوجستى» على دول مختلفة، وهذا كان الهدف الأول من تمكين الإخوان من حكم مصر.. لاستنزاف القوات المسلحة والشرطة وإنهاك الاقتصاد المصرى.. لكن الدماء الذكية التى أراقها الإرهاب أعادت رسم خريطة مصر المحررة من «العنف الدينى».
«العنف الدينى» له تجليات أخرى، قانونية ومعنوية فليس كل العنف جسديا، قد تراه فى بعض نصوص الدستور مثل المادة 6 التى تجعل مصر «دولة دينية».. لدينا أيضا «خلايا إخوانية نائمة» تخترق العمود الفقرى للدولة وتنتشر فى معظم مؤسسات الدولة خلف قناع «التقية السياسية» وتمارس مهامها فى دهاء لنشر أفكار «الجهادية التكفيرية» وتطبيقها- قدر الإمكان- فى مواقعها.
لدينا كتائب تسمى «رجال الدين» هؤلاء من روجوا لفكرة «لحوم العلماء مسمومة»، وبعضهم يحظى بموقع «مسؤولية» يمكنه من تكريس «الدولة الدينية» بكل فاشيتها وشططها وخطورتها على الأمن القومى من حيث تهيئة المناخ للعمليات الإرهابية بتكفير المبدعين مثلا.
كتائب تستهدف بالأساس «المرأة والأقباط»، فالمرأة هى مؤشر لمستوى تحضر المجتمع وتطبيق الحريات وحقوق الإنسان.. أما الأقباط فلهم معهم ثأر منذ ناصروا ثورة 30 يونيو، ثأر تمثل فى استهداف الكنائس والقساوسة والقتل على الهوية والتهجير (العريش وسيناء نموذجا)، كل هذه الممارسات كانت تؤكد أن الإخوان لم يرحلوا بعد عن أراضينا!.
صحيح أن ملامح الانتصار على التنظيمات الإرهابية واضحة، وأن الإرهاب تهاوى.. لكن «أدبيات الإخوان» وأنيابهم وأظافرهم مغروسة فى جسد الوطن، وطالما استمر التمويل «تركيا وقطر» لن تخرج فلولهم إلا بالدم.
نحن على المستوى المؤسسى دولة دينية، وعلى المستوى الأمنى دولة تعانى الإرهاب وتخوض حرباً ضارية ضده.. وعلى الصعيد السياسى لدينا «أحزاب دينية» يحظر وجودها «الدستور»، ورغم ذلك فهى ممثلة فى «مجلس النواب»!.
الأهم أننا على المستوى الفكرى والوعى المجتمعى نتعرض لحملة أخطر من التيار السلفى، وهم «ورثة الإخوان»، تستهدف تدمير العقل المصرى وغسل أدمغة الشباب بفتاوى شاذة ومتطرفة لتكون الأرض ممهدة لتجنيد هؤلاء الشباب فى كتائب الإرهابيين!. إذًا فلنكرر السؤال: هل سقطت الفاشية الدينية فعلا فى مصر؟.