فى الشهر الماضى كتبت هنا تحت عنوان: (كابوس المريض رقم «35 ألفًا») لأتحدث عن كتيبة فدائية وهى «الجيش الأبيض» من أطبائنا، والتى تعمل فى حقل ملغم باحتمالات مجهولة أقلها «العدوى» لا قدر الله.. وقلت نصا: إن (العالم كله يراهن الآن على صلابة «المنظومة الصحية» فى مواجهة فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19، فعلى خطوط المواجهة تقف الكوادر الطبية وتقوم بمهام فدائية، وقد قدم أطباء العالم العديد من بينهم شهداء فى حرب ضروس ضد وباء جائحة لم ينجح عباقرة العالم حتى الآن فى اكتشاف علاج أو مصل واقٍ منه).. العالم أجمع يعرف قيمة «العنصر البشرى» فى حربنا ضد جائحة كورونا.
وخلال الشهر الماضى رأينا حالة التنمر بالأطباء وطواقم التمريض من العاملين بمستشفيات العزل «خشية العدوى» كما رأينا أيضا الحفاوة الشعبية والإعلامية بهم.. ثم ظهرت مشكلة حادة تخص أطباء مستشفيات العزل الذين يقيمون بالمستشفيات فى دور منفصل عن المرضى، وفى الإجازات يعودون إلى أسرهم.
الإجراء المتبع قبل أن يعود الطبيب لمنزل أسرته هو إجراء التحليل السريع المعتمد على وجود «الأجسام المضادة»، وهو تحليل يكشف عن أجسام تظهر فى دم المصاب بالفيروس بعد 6 إلى 10 أيام من الإصابة، وبالتالى لا يمكن الاعتماد عليه للتشخيص، ولكنه يستخدم للأغراض البحثية.
فتحليل PCR هو التحليل الوحيد المعتمد لتشخيص مرض COVID 19 حتى الآن.. وهو التحليل الذى توفره وزارة الصحة فى مستشفيات الحميات المختصة بحالات كورونا.. وغير متوفر فى أى من المعامل الخارجية، باستثناء المستشفى التخصصى بجامعة عين شمس والذى يجرى التحليل مقابل 2600 جنيه، وهو مبلغ ليس فى استطاعة الطبيب.
إذن أصبح الطبيب حين يغادر مستشفى العزل إما ينعزل عن أسرته (لمدة إسبوعين إن كان يمتلك مكان للإقامة أو يعود لمنزله فيعرض الأسرة بأكملها للخطر)!.
ومع تزايد أعداد المرضى يجب أن نعلم جميعا أن هناك شروطا للعزل بالفعل لا تتوفر للطبيب (غرفة خاصة – حمام خاص – تطهير).. بالإضافة إلى عدم توافر الواقيات الشخصية المناسبة لأفراد الأسرة المخالطين للمريض.. وعدم تدريبهم على استخدامها.
المشكلة الأهم كما وردتنى من الدكتورة «منى مينا» أفضل أن أنشرها على لسانها، تقول د. «منى»: إن هناك للأسف صعوبة فى توفير كميات كبيرة من كواشف تحليل PCR والذى ينص عليه بروتوكول منظمة الصحة للتشخيص، نتج عن ذلك مشاكل خطيرة تهدد بالمزيد من نشر العدوى وسط المجتمع عموما ووسط الفرق الطبية خصوصا.
وتقترح «مينا» على المسؤولين عن إدراة هذه الأزمة توفير كميات إضافية من كواشف PCR، مؤكدة أن هذا ليس سهلا، ولكنه ليس مستحيلا، فيمكننا شراء كميات إضافية بالتأكيد.
- كما يجب أن يتم الالتزام بالتحليل لمخالطى الحالات الإيجابية من الفريق الطبى كما تنص البروتوكولات المعلنة، وفى حالة وجود عجز فى توافر كواشف PCR يتم توفير مكان لائق لعزل المخالط المشتبه بإصابته لمدة 14 يوما، ومن الممكن استخدام الفنادق المعطلة عن العمل حاليا لذلك.
- بالإضافة إلى إعلان نظام واضح لمستشفيات العزل، يقر العودة لنظام عمل تحليلين متتاليين PCR، بدلا من الكلام غير العلمى بالاعتماد على الكاشف السريع «الأجسام المضادة».. فهذه أقل حقوق أعضاء الفريق الطبى، حتى لا يشعر الطبيب والممرض، أنهم أصبحوا مجبرين على نقل العدوى لأهاليهم.
لقد طلبت منذ بدأت جائحة كورونا بحماية «الجيش الأبيض» وقلت فى مقالى المشار إليه إن «الطبيب أهم من جهاز التنفس الصناعى».
«الجيش الأبيض» يفتقد الشعور بالأمان على حياته، ولا يطالب ببوليصة تأمين ولا «بدل مخاطر».. لكن أصبح لزاما علينا جميعا إعادة تقييم الموقف، وربما أصبح لزاما علينا الآن استبعاد بعض فئات الأطباء من العمل فى تلك المهمة الخطرة مثل من يزيد عمره على أكثر من خمسين سنة، أو مرضى الأمراض المزمنة، أو من تعول أطفالا أقل من 12 سنة.. الجيش الأبيض الذى يحمينا وجب علينا الآن حمايته.