بقلم: سحر الجعارة
ما يحدث من أولياء الأمور والطلبة، بعد تعليق الدراسة، أمر غير منطقى وغير معقول، فقد قرر الدكتور «طارق شوقى»، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، استبدال الامتحانات بشكلها التقليدى بمشروع بحث، لاجتياز المرحلة الدراسية إلى السنة الدراسية المقبلة، فى ظل إجراءات الحكومة لمنع انتشار فيروس «كورونا».. وظهر الوزير على بعض القنوات التليفزيونية ليشرح الفكرة التى تنقل الطالب من عملية «التلقين» إلى مرحلة «البحث والابتكار».. وقامت الدولة بتوفير إنترنت مجانى للطلبة للدخول على منصات الوزارة لتقديم أبحاثها.. وكالعادة انفجرت البلاد بـ «تجار الأزمات» كما حدث فى بيع المطهرات والسلع الغذائية!.
بعض المعلمين قرر أن يبيع كود الطالب بـ 2 جنيه رغم أنه مجانى، ثم بدأت تسعيرة «البحث» على حسب الفئة العمرية.. واللافت للنظر هو ظهور عدد من الفيديوهات والمنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعى، تتضمن كيفية عمل البحث، بجانب نشر نماذج جاهزة للأبحاث.. ولم يتردد بعض المعلمين عن التواطؤ مع أولياء الأمور الذين حولوا «البحث الإلكترونى» إلى ظاهرة «غش إلكترونى».. ولنفترض أن هؤلاء لا يدركون خطورة حرمان الطالب من السعى للحصول على المعلومة، أو أنهم لا يتقنون التعامل مع التكنولوجيا.. ففى المقابل سوف يتساوى من اجتهد وأجرى بحثه بنفسه مع من اشترى العلم بثمن قليل.. وهنا تتضاعف جريمة الغش ألف مرة، أولا: لأنها تحدث فى ظل كارثة إنسانية تهدد حياة الجميع وتحت تطبيق لقانون الطوارئ، وثانيا: لأنها تقضى على «المنظومة التعليمية» برمتها وتحول طالب العلم إلى «بلطجى» يشترى مدرسه ونجاحه بالفهلوة ويتحدى هيبة الدولة، ويخرج ليهدد الحياة الجميع– دون إجراءات احترازية- لأنه فقد «الوعى» بأبعاد الكارثة التى جعلت الامتحانات تتم بطريقة «التعلم عن بعد»!.
وقد أكد وزير التعليم أنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الطالب اللى يثبت أنه اشترى البحث أو سمح لأحد الأشخاص بإنجازه بدلا منه، لأنه سيعرض نفسه لاختبارات إضافية فى مواد مختلفة، ودراسة مواد أكثر من زملائه بالعام الدراسى الجديد، وممكن تصل العقوبة للرسوب وإعادة السنة!.
وعلى سبيل المثال أعلن «أيمن الكاشف» مدير إدارة ناصر التعليمية، عن استبعاد مدير مدرسة إعدادى من منصبه، لاتهامه بتحصيل رسوم مقابل البحث تقدر بـ25 جنيها لكل بحث، كذلك استبعاد مدرس بمدرسة ابتدائية لدعوته تحصيل 40 جنيها من الطلاب مقابل عمل البحث، ونقلهما للعمل بديوان عام الإدارة بشكل مؤقت لحين التحقيقات معهم فى الاتهامات الموجهة إليهم من أولياء الأمور.
لكن الطلبة وأولياء الأمور معهم وجدوا حجة جديدة للتحايل والنصب وهى أنهم لا يستطيعون الدخول إلى الإنترنت المنزلى، وقد قال الدكتور «طارق شوقى» فى رسالة وجهها للطلاب فى صفوف النقل، الذين لا يمكنهم الدخول على الإنترنت من المنزل، إنه يمكن للطالب الذى لا يمتلك إنترنت، إعداد مشروع البحث من خلال الكتاب المدرسى، وتقديم البحث ورقيًا إلى المدرسة.. وأكد الوزير: أن (هذا لا يعنى أن الطالب لا بد أن يكون لديه كمبيوتر وتكنولوجيا وإنترنت كما يتحجج من لا يريدون عمل المشروع، متابعا: فمن لديه كتاب المدرسة وقلم وورقة يستطيع أن ينجز البحث).
لو نظرت حولك الآن ستجد أن كل ما يعانيه المجتمع من مشكلات مزمنة هو تراكم للغش المتتابع فى العملية التعليمية، وأن إصلاح منظومة التعليم يمكن أن يقضى على معظم المشكلات، من البطالة التى تطرد من السوق عمالة غير مدربة رغم أنها تخرجت فى معاهد فنية، إلى انعدام الوعى الصحى والافتقار إلى أدوات مواجهة المشكلات الاقتصادية أو الاجتماعية.. وهو ما خلق لدينا مصطلح مثل: «المتعلم– الجاهل» لأن التعليم فى جوهره هو تأهيل الإنسان– بالمعرفة- لمباشرة أدواره الحياتية والاجتماعية، وليس «شهادة» مرور للحصول على وظيفه بواسطة. لا توجد دولة متقدمة فى العالم ارتقت بدون أجيال متعلمة تقودها من الزراعة إلى غزو الفضاء، وترسم سياساتها الآنية والمستقبلة.
فتخيل أن طالبا لم يدخل المكتبة الرقمية التى قدمتها الوزارة، ولا يعرف السبيل لمنصة البث المباشر للحصص الافتراضية، ثم يشترى– بفلوسه- جواز المرور من السنة الدراسية.. هذا «جاهل» ومن يدعى غير ذلك فهو مثله!.