بقلم: سحر الجعارة
حين انتشر فيروس نقص المناعة «HIV -الإيدز» لم يلق المصاب به أدنى تعاطف من المجتمع، «المتدين بالفطرة»، فالبعض اعتبر الفيروس دليل إدانة أخلاقية، لأنه انتقل للمريض - بالضرورة - عن طريق علاقة جنسية «طبيعية أو شاذة»، أو «عقاب إلهي» للمثليين جنسيا.. والبعض الآخر مارس شماتته فى «الغرب الكافر»، تماما كما نفعل اليوم مع الجائحة «كورونا».. ثم بدأ الإعلام يقوم بدوره فى التعريف بطبيعة المرض ويظهر على الشاشة بعض الحاملين للفيروس، وفتحت جريدة «المصرى اليوم» ملفا عن علاجهم، ورأينا فيلم «أسماء» الذى أبكانا جميعا، لكنه لم يحرك ضمائرنا ولم ينبه عقولنا إلى أن المريض غالبا ما يكون «ضحية» وليس متهمًا!.
لم نتصور أن يأتينا وباء كورونا لنكرر نفس سلوكياتنا المجافية للأخلاق وللإنسانية مع فيروس ينتشر عبر «المخالطة» التى قد تكون فى وسيلة مواصلات أو مصعد كهربائى، فيروس ينتقل عن طريق الهواء بعطس أو سعال من حامل للفيروس قد لا تبدو عليه أى أعراض.. لكن يبدو أن «كتالوج التخلف» واحد: المريض متهم إلى أن يثبت العكس!.
وتكرر السيناريو ليصبح المصاب بكورونا «منبوذاً»، عليه أن يلزم منزله أو يعزل نفسه عن أقرب الناس إليه 14 يوما، يئن وحيدا ويموت فى صمت.. كورونا «لعنة»، لن تنجو منها إلا بدخول الحجر الصحى فى أحد مستشفيات الحكومة، ولن يتولى أحد الأطباء علاجك من مرض مزمن، لأن الموت ينتظرك بعد عدة أيام.. فلم يكن غريبا على مجتمع يفكر بعقلية «القاتل» أن يتجمهر بعضه رافضا دفن الطبيبة «سونيا عبدالعظيم»، متوهماً أنها توفيت بالكورونا، ثم أكد زوجها فيما بعد أنها تعافت من فيروس كورونا وماتت لأسباب أخرى!.
إن أجريت تحليلًا عشوائيًا للحشد الهائل الذى تجمع ليحمى مقابر قرية «شبرا البهو» من لعنة كورونا، لربما وجدت «كورونا» تسرى فى دماء بعضهم ولا يعلمون!.
هنا لابد أن أشير إلى المشروع الذى تبناه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» للقضاء على فيروس C، وهو مشروع 100 مليون صحة، والذى لولاه لغرقت مصر فى آلاف الضحايا الذين لا يجدون بديلاً عن زراعة «فص كبد» ولا يملكون تكلفته، وقد لا يجدون متبرعاً!.. هذا المشروع شمل تحليلا آخر لم تركز عليه وسائل الإعلام - وقتها - وهو فيروس B وهو أشد فتكًا من C، لأنه قد يتحول إلى خلايا سرطانية بالكبد.. بالمناسبة هذا الفيروس له مصل، لكن لا أحد يبادر بالحصول عليه.. رغم أنه «فيروس مشبوه» ينتقل عن طريق الدم أو العلاقات الجنسية وليس عن طريق نقل الدم أو الأدوات الملوثة فحسب.
ولكى ندرك أن تكريس «الخرافة» أكثر شراسة من الأوبئة والفيروسات، ستجد بعض المتعلمين ومدعى الثقافة استغلوا محنة الضعف الإنسانى وفتحوا دكاكين علاج «كورونا» بالأدعية والأعشاب والثوم.. إلخ، فمن الذى أقبل على هذه البضاعة المغشوشة؟.. إنهم بالقطع من قرروا أن كورونا «وصمة عار» حتى أصبحوا هم أنفسهم مجرد سلعة فى سوق الموت يرفضون دفن جثمان، وفى نفس الوقت يرفضون الإجراءات الاحترازية وحظر التجوال.
وللحقيقة، فإن السلوكيات التى تنم عن جهل وغباء هى نتيجة حتمية لتجريف العقل المصرى، (خلال عهد مبارك)، وتجهيل المواطن بمنظومة تعليمية فاشلة، وتدمير للقوى الناعمة.. وإحلال الخرافات وفتاوى الهوس الجنس محل «الوعى».. ولا يستطيع نظام 30 يونيو أن يستعيد المواطن من غيبوبته خلال سبع سنوات!.
من يعصف الآن بالسلوكيات الحضارية هم أيضا «ضحايا» للكهنوت الدينى الذى سرقهم من العلم والمعرفة، للنخبة المثقفة (المنقسمة إلى شِلل مصالح)، هم ضحايا عصر من الفساد والاستبداد، أسقطهم فى هاوية القهر والفقر والخوف من المستقبل.
نحن نكتب ونسأل: من هو القارئ «الملتقى لأفكارنا»؟.. قطعًا هو ليس من أبناء القرى التى تم «الحجر الصحى» على بعض منازلها، ولا يعرف من وسائل التواصل الاجتماعى إلا «الشقط والفضائح».. لو أحببت أن تتعرف على هؤلاء، فهم من قرروا الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا استغلالا لانتشار الوباء بها(!!).. فكيف تطلب منهم تقديس الحياة والعلم أو تكريم المتوفى؟!.