بقلم: سحر الجعارة
العالم كله يراهن الآن على صلابة «المنظومة الصحية» فى مواجهة فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19، فعلى خطوط المواجهة تقف الكوادر الطبية وتقوم بمهام فدائية، وقد قدم أطباء العالم العديد من بينهم شهداء فى حرب ضروس ضد وباء جائحة لم ينجح عباقرة العالم حتى الآن فى اكتشاف علاج أو مصل واقٍ منه.. بل يعانى العالم كله من أزمة فى توافر أدوات الوقاية (الأقنعة الطبية والقفازات) وكذلك المطهرات.. ويعجز عن ملاحقة الأعداد المتزايدة للمصابين.
لا تتصور أن كل المطلوب للخروج برئة صالحة للحياة هو جهاز «تنفس صناعى» أصبح نادراً أن يتوافر فى غرف العناية المركزة فى العالم، فهذا الجهاز إن غاب عنه «الطبيب» أصبح مثل قطعة «خردة» لا قيمة له، وإذا لم تتهيأ لهذا الطبيب بيئة العمل الآمنة فسوف نفقد حائط الصد الأخير فى مواجهة هذا الوباء الشرس.
لقد كُتب كثيرا عن أحوال الأطباء المادية والمعيشية، وطالبت مؤخرا بعد أزمة كورونا بتأمين «بدل مخاطر» على حياتهم، كبديل لبدل العدوى الهزيل الذى يتقاضونه (19 جنيهًا)، وبينما كان العالم يشيد بالمساعدات الطبية التى أرسلتها مصر للصين وإيطاليا.. انفجرت فى وجوهنا قنبلة «المعهد القومى للأورام»، وهو مكان بالغ الحساسية، مرضاه يحتلون صدارة قائمة المرشحين للعدوى، فمعظمهم يخضعون للعلاج الكيماوى إما بسبب السرطان أو بسبب زرع أعضاء بشرية، والأطباء العاملون فيه «عملة نادرة»، لأنهم يعلمون فى تخصص استثنائى..
إنه نفس المعهد الذى استهدفته الجماعة الإرهابية بحادث إرهابى، وبعدما تم ترميمه تصورنا أنه بالضرورة أكثر الأماكن تعقيمًا فى مصر.. فإذا بحوالى 17 طبيبا وعضوا فى هيئة التمريض يصيبهم كورونا.. وهذا وارد فى أى مكان بالعالم، لكن المؤسف أن معظمهم ظلوا يعملون، دون إجراء تحليل للفيروس، وفى ظل التعتيم الإعلامى كانت استغاثة «نقابة الأطباء» وبعض تدوينات الأطباء هى نقطة الضوء الكاشف للكارثة!.
هل كان لابد لرئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» أن يصدر بنفسه تعليماته بإجراء الكشف الطبى على جميع العاملين بمعهد الأورام من الأطباء وأطقم التمريض، وجميع المرضى الذين ترددوا على المعهد خلال الأسبوعين الماضيين، فى إطار جهود الدولة لمكافحة فيروس كورونا.. أم أن هذا مسؤولية مباشرة لمدير المعهد الدكتور «حاتم أبوالقاسم» الذى أنكر فى البداية وجود حالات مصابة فى الطاقم الطبى، ثم أثار حالة من الذعر والقلق بشأن مصير مرضى الأورام والطاقم الطبى العامل داخل المعهد؟!.
لقد أدار الدكتور «أبوالقاسم» الأزمة بمنهج الخوف على المنصب، وليس بمنطق حماية أرواح المرضى والطاقم الطبى، ولم يتخذ أى إجراء لتتبع الحالات المخالطة للمصابين، وقد تقدم عدد من نواب مجلس الشعب بطلبات إحاطة إلى الدكتور على عبدالعال، تطالب بمحاسبة المسؤولين عما سموه «الجرم والكارثة»، وتطالب بإقالة مدير المعهد.. وبالفعل، فتحت جامعة القاهرة التحقيق فى الواقعة!.
هذه الواقعة، للأسف، زعزعت ثقة المواطن فى القطاع الصحى، فالعمل الإدارى لابد أن يتحلى بالضمير المهنى والإنسانى، لكن فى المقابل أصدر الدكتور «محمود المتينى»، رئيس جامعة عين شمس، بيانًا صحفيًا لإعلان تفاصيل إصابة طبيب امتياز فى الوحدة الرابعة بمستشفى النساء والتوليد فى الدمرداش بفيروس كورونا، والتوسع فى إجراء الفحوصات للمخالطين له ليصبح العدد 140 شخصًا.
نحن لا نحتاج إلى «معجزة» لتجاوز خطورة وباء جائحة، بل نحتاج إلى إدارة حازمة ومبادرة، لا تخفى الأخطاء -إن وقعت- بل تتداركها وتعمل على التقليل من تداعياتها، وهذا ليس اختراعًا بشريًا ننفرد به.. نحن مجبرون على الاعتماد على جبروت «العنصر البشرى» فى ظل نقص الإمكانيات وغرف العناية المركزة.
وبحسب تصريحات الدكتور «حسام عبدالغفار»، الأمين العام للمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، فمصر لديها 413 مستشفى جامعيًا، و35 ألف سرير مجهز بها لاستقبال مرضى كورونا.. فإذا تضاعفت أعداد المصابين بالفيروس وتجاوزت الرقم 35 ألفًا ستجد نفسك أمام السيناريو الإيطالى مثلاً بألا تعالج كبار السن.. أو أن تضع بروتوكولاً يستبعد المرضى بأمراض مزمنة من قوائم العلاج.. وهذا هو الكابوس الأسوأ من الوباء نفسه.