استقالة مسببة من الحياة

استقالة مسببة من الحياة

استقالة مسببة من الحياة

 صوت الإمارات -

استقالة مسببة من الحياة

سحر الجعارة
بقلم: سحر الجعارة

أيها «الحزن» تمهل قليلا.. دعنى أتأمل لوحة الحياة الأخيرة، لا تجعل مشهد غيابى كئيبا ومحبطا.. بل اجعله «صدمة كهربائية» لعل العالم يفيق، اجعله حافزا للتساؤل ومحرضا على استعادة إنسانيتنا المفقودة، اجعل نهايتى «بداية جديدة» لشاب آخر لم يعش لينتصر.. ولم يعش لينكسر!.يها الموت تمهل قليلا.. لأسطر آخر كلماتى على جدران الهواء، لأبعثر هزائمى الكبيرة وذنوبى الكبيرة قبل أن أصعد إلى السماء، لأتطهر من عاهاتى النفسية.. نعم كل من حولى شوهوا مشاعرى وتلاعبوا بأفكارى وسخرونى للتفوق في دراسة الهندسة والصلاة والالتزام الدينى.. لأقدم لهم «الصورة الذهنية» كما رسموها في مخيلتهم.. لكنهم لم يشعروا أبدا بأنى «وحيد» أبكى على الورق.. فتمهل قليلا أيها «الموت النبيل» لأصرخ على الملأ.. وأدون «استقالة مسببة من الحياة».. ربما يفهمها البعض وربما تتناثر كلماتها مع جسدى حين يسقط من أعلى برج القاهرة

أتصور أن هذا كان لسان حال طالب الهندسة المنتحر من أعلى برج القاهرة، «نادر محمد جميل».. الذي كفر بالحياة وربما بأشياء أخرى وقرر في لحظة أن يثور على الاستمرار على قضبان تأسره عله يصل لمصيره المجهول.. أن يقطع شرايين الاكتئاب والإحباط واليأس التي تربطه بالحياة.. قهره شيطانه فقفز من أعلى نقطة في سماء مصر «فى رمز ربما إلى مكانة حلم بها» ليسقط جثة هامدة تجسد سقوط كل المعانى النبيلة: (الدفء والأهل والسند والأصدقاء.. الموسيقى والكتب والورود التي تتفتح كل يوم للحياة.. العطر والأغانى والشجن.. البهجة والإحباط).. سقط «الحلم» من سماء شاب متفوق ليُدفن معه.. سقط «المستقبل» المجهول.. استسلم «نادر».. انتحر ثأرا لنفسه من حياة لم تنصفه وبالإنابة عن كل المقهورين والمجروحين والمظلومين والمحرومين حتى من البكاء!.
لم يكن «نادر» أول أو آخر شاب ينتحر بطريقة غريبة تهز المجتمع، وتؤرق ضمائر الجميع، وتستدعى كل أساتذة الطب النفسى للتحليل والتنظير.. قبله، وفى منتصف نوفمبر الماضى، تخلص شاب يدعى «إسلام»، سائق «توك توك»، من حياته، شنقا في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، وذلك بعدما صنع الضحية مشنقة داخل غرفته بشقته في منطقة السلام.. ولك أن تتخيل أن أصدقاء «إسلام» كانوا يتابعون الحدث «أون لاين».. دون أن يهرع أحد لنجدته!.
كأننا مجرد «آلات» نتحرك بالريموت كنترول، وكأن الشباب تحول إلى مصنع «روبوت».. حياتهم رسالة «واتس آب» على الموبايل، أو like على «فيسبوك» تؤكد أننا عاجزون عن التواصل!. وأننا لم نعد نبذل جهدا للإبقاء على من نحب، على: «أرحامنا»!.
وكأنهم وُلدوا كنبت شيطانى، أو أن الأهل والعائلة لم يمنحوهم «شهادة ضمان» بدعمهم المعنوى، ومساندتهم إلى الأبد!.
المشهد المتكرر في كل منزل أن كل فرد مشغول بالتحاور مع «آلة»، قد تكون شاشة تليفزيون أو كمبيوتر أو موبايل أصبحنا نحن نعيش في الفضاء الإلكترونى.. حيث أصبح لكل منا «عالمه الخاص» الذي صنعه بنفسه ولنفسه كأننا نسجنا شرنقة نتقوقع بداخلها لنعانى «وحدة مفتعلة».. وأصبح كل إنسان يعانى نوعا ما من «التوحد مع الذات».. برغبته!.
وحين تصمت الآلة سوف تجد الأحاديث تدور حول العلاقات الاجتماعية التي أصبحت نفعية وانتهازية، وأن الإنسان الذي يعطى بلا مقابل يعيش دور «الشهيد» بإرادته.. فلا أحد يستحق.
وهكذا تتآكل إنسانية البشر، فيتحولون هم أنفسهم إلى آلات، تتحرك حسب بوصلة «الربح».. وكأننا في «بورصة» لا وجود لأسهم الود والامتنان والواجب فيها!.
أصعب ما في الحياة أن ترى عيوب البشر وتجسدها، تتذكر خطاياهم وتعيشها ألف مرة.. لكن ألف طعنة جديدة أفضل من الشقاء بالماضى.
نحن نداوى أنفسنا بالتسامح وتجاوز ذنوب الآخر.. قبل أن نمنحهم الغفران.. فهل تلك العقول الشابة والقلوب الخضراء هي التي يجب أن تتفهم وتتجاوز وتتسامح!.
«الموت» يخطف أجمل ما فينا، يسرق منا «الغد».. ينهش قلوب الآباء والأمهات لأن البعض ضن بمشاعره على أولاده.. حتى أصبحنا ندفن خطايانا مع جثث لم تنضج بعد.
أيها الأموات على الأرض: لا تنتحروا بتكفيرى أو تحاروا في الترحم علىّ.. أنا لم أعد بحاجة إلى نفاقكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقالة مسببة من الحياة استقالة مسببة من الحياة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 09:42 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

"بيوتي سنتر" مسلسل يجمع شباب مصر والسعودية

GMT 22:57 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

بن راشد يعتمد 5.8 مليار درهم لمشاريع الكهرباء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates