بقلم: كريمة كمال
أسدلت محكمة جنايات الطفل بشبين الكوم الستار على القضية المعروفة إعلاميًا بـ«شهيد الشهامة»، في رابع جلسات المحاكمة، بمعاقبة «محمد راجح» واثنين آخرين من المتهمين بقتل الطالب «محمود البنا» بالسجن خمسة عشر عامًا، بينما حُكم على المتهم الرابع بالسجن خمس سنوات.. وقعت الجريمة في التاسع من أكتوبر الماضى حين لقى الضحية مصرعه على يد المتهم الأول، الذي طعنه بمطواة نتيجة مشادة كلامية بينهما بسبب معاتبته على مغازلة جارتهما، وتحولت الحادثة إلى قضية رأى عام، وشهدت مدينتا تلا وشبين الكوم مظاهرات للمطالبة بالقِصاص.
قضية شهيد الشهامة هي قضية رأى عام بكل المقاييس، فقد شهدت العديد من التظاهرات من أجل المطالبة بالقِصاص لمحمود البنا، بعد أن تردد الكثير من اللغط حول أن المتهمين سوف يخرجون من القضية أحرارًا بسبب انتمائهم لشخصيات ذات نفوذ، مما ألهب الغضب في الشارع، ومما يعكس أن هناك عدم ثقة في الأحكام التي تصدر، خاصة إذا ما مسّت مَن هو ذو نفوذ قوى.. عدم الثقة هذا انعكس في التظاهرات الغاضبة، التي حوّلت المنطقة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية للتحكم في التظاهرات الضخمة التي حدثت، والتى اتسمت بالغضب والحدة، حتى إن هناك عددًا من المتظاهرين تم اعتقالهم، من هنا فالقضية قضية رأى عام بالدرجة الأولى لأنها مسّت الجماهير، بل حرّكتهم في شكل تظاهرات غاضبة.. بل كانت هناك إشكالية أخرى، وهى أن أهالى الضحية كانوا يتلقون تهديدات من أهالى المتهمين، مما زاد الشك من جانب ليس أهل الضحية فقط، بل أهالى المنطقة، أن أهالى المتهمين يتصرفون بناء على إحساسهم بنفوذ ما، وهو ما شكّك في طريقة سير القضية وإلى ماذا ستنتهى وكيف سيأتى الحكم فيها، مما أثار المزيد من الشك والغضب وفجّر المزيد من التظاهرات.
من ناحية أخرى، كانت هناك إشكالية في هذه القضية، وهى أن المتهمين لم يتخطوا سن الطفولة بعد، مما يعنى أنه سيتم الحكم عليهم بصفتهم أطفالًا وليس بصفتهم كبارًا، مما يعنى أن الحكم الصادر عليهم لن يكون إعدامًا أو مؤبدًا كما لو كانوا فوق السن، وهى النقطة التي أثارت غضب أهل الضحية، فالقتل قد وقع، والقتَلة لم تمنعهم سنهم من ارتكاب الجريمة، لكن من ناحية أخرى القاضى ملزم بالحكم في إطار القانون وطبقًا للقانون، الذي ينص على أن أقصى عقوبة هي السجن خمسة عشر عامًا فقط، وهو ما حدث، فقد أوقع القاضى أقصى عقوبة على المتهمين كما هو منصوص عليه بالقانون، أي أن الحكم مطابق لصحيح القانون، لكن بالطبع لم يكن الحكم مُرضيًا لأهل الضحية، وكانوا يتوقعون استثناء ما، بحيث يوقع حكمًا أقسى على المتهمين، لكن القاضى كان مقيدًا بنص القانون، وبناء عليه حكم بأقصى عقوبة.
القضية قضية رأى عام، ولذلك تم الحكم فيها بسرعة شديدة، بعد أربع جلسات فقط، وذلك لحسم الغضب الذي يموج به الشارع، لكن هل انتهت القضية وأُغلقت أوراقها؟ الواقع أن المتهمين والنيابة العامة لهم الحق في الطعن على الحكم أمام الاستئناف، أي أن القضية لم تُغلق تمامًا بعد، فمازالت هناك مرحلة قادمة، متمثلة في الاستئناف، فهل تثير إشكاليات جديدة؟
هذه القضية نموذج واضح لقضايا الرأى العام، التي تعكس إحساسًا لدى قطاع كبير من الشارع المصرى، في مجريات الأمور، بل الإحساس بأن القوة والنفوذ لهما اليد الأولى، وهو ما يثير الكثير من التساؤل حول ما الذي رسّخ مثل هذه القناعات لدى الناس.