بقلم: كريمة كمال
قدم أحد المحامين، بلاغًا للنائب العام ضد الكاتب الصحفى، الدكتور خالد منتصر، بتهمة ازدراء الإسلام، وإهانة الشيخ محمد متولى الشعراوى، وتدمير السياحة، وقال المحامى فى بلاغه، إن «منتصر» ذكر فى سلسلة مقالات وتغريدات، منها مقال بعنوان: «المرشد وسياحة الهداية»، أن مصر تعيش حالة هستيريا دينية ووسواس هداية ليس له مثيل، وادّعى أن المرشدين السياحيين همهم الأول أنهم يدعون السياح إلى دخول الإسلام، ويحتقرون الآثار الفرعونية، ويعملون على محاكمة الفراعنة محاكمة دينية. وأضاف المحامى فى بلاغه: «منتصر» ركب الموجة بالإساءة إلى الشيخ الشعراوى، فقد صدّر «منتصر» للعامة أن آراء «الشعراوى»، النابعة من اجتهاد شخصى للشيخ، رأى الإسلام، وتهكم على الشيخ الذى يُعد رمزًا دينيًا للمسلمين، واصفًا إياه بـ«الصنم»، مُدّعيًا أنها ليست قضية شيخ بعينه، ولكنها قضية وطن يصرون على أن يُفقدوه عقله، مشيرًا بذلك زورًا وبهتانًا إلى ضلال كافة شيوخ مصر، وتابع: هذا ما يدل على إصرار «منتصر» على ازدراء الإسلام ورموزه، والعمل على انهيار السياحة.
وطالب المحامى فى ختام بلاغه، باستصدار أمر بضبط «منتصر»، ومنعه من السفر، وتقديمه لمحاكمة عاجلة، وقدم حافظة مستندات، شملت المقالات والتغريدات.
هل يجب أن تمر مثل هذه الواقعة مرور الكرام؟ كاتب يعبر عن رأيه الحر فى عدة مقالات وتغريدات، فيُقدَّم بلاغ ضده يطالب بالقبض عليه ومحاكمته محاكمة عاجلة.. مَن هو هذا المحامى، وما صلته بالواقعة محل البلاغ؟ الواقع أن مثل هذا المحامى ليس الأول ولا الأخير ممن اعتادوا التقدم ببلاغات للنائب العام ضد مَن عبر عن رأيه لمجرد أن هذا الرأى لا يوافق هواهم أو يختلف معهم، فهل مجرد الاختلاف يدفع إلى المطالبة بالقبض على المختلف وتقديمه لمحاكمة عاجلة؟.. هذه قضايا حسبة، يجب أن يتم وضع حد لها، فهى تُقدَّم ممن ليسوا ذوى صفة، وتترصد مَن يختلف لمجرد اختلافه.. إن مسألة الاتهام بازدراء الدين هى مسألة متكررة لمجرد أن أحدهم يقول رأيًا فى أداء داعية أو آرائه، وكأنما لا يصح إطلاقًا أن يقول أحدهم رأيًا فى شيخ أو داعية، فينقلب ذلك بقدرة قادر إلى ازدراء للدين نفسه.
إن مَن يتابع كتابات الدكتور خالد منتصر يعلم تمامًا أنه يسعى لترسيخ الدولة المدنية وركائزها بتناول كل ما يعصف بهذه الدولة من تعصب أو تطرف أو آراء متشددة، ولا يستقيم إطلاقًا أن يُعد هذا مساسًا بالإسلام ذاته إلا من باب تهديد مَن يتجاسر على قول رأى حر.. قد يقول أحد إن هذه البلاغات لا تلقى دائمًا استجابة من النائب العام، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن مجرد تقديم البلاغ للنائب العام يُعد نوعًا من التهديد لمَن يقدم ضده البلاغ، فهل يسعى هؤلاء إلى مجرد التهديد أم أن الهدف هو الانتقام ممن اختلف معهم فى الرأى إذا ما تحول البلاغ إلى محاكمة فعلية؟
إن ثقافة رفض الاختلاف هى الثقافة التى تترسخ من مثل هذه البلاغات، فهؤلاء الذين يتقدمون بمثل هذه البلاغات يريدون أن يعلنوا أن مَن يختلف معهم فى آرائهم، بالذات تلك الآراء المتعلقة بكل ما هو دينى، سواء كانت خاصة بداعية أو شيخ أو خاصة بكل ما هو دينى، حتى لو كان أداء مرشدين سياحيين، فإن التلويح بازدراء الدين هو السلاح الذى سيُشهرونه فى وجوههم، والمطالبة بالقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة لتوقيع العقوبة القانونية عليهم هى نهاية المطاف لذلك المختلف فى الرأى.. مثل هذه البلاغات لا تتوقف، وإذا كان هناك مَن تخصص فيها فإن هناك أيضًا مَن ينضم إليهم، ففى كل يوم اسم جديد وحسبة جديدة.