القاهرة وباريس

القاهرة وباريس

القاهرة وباريس

 صوت الإمارات -

القاهرة وباريس

كريمة كمال
بقلم: كريمة كمال

انهار العقار رقم خمسين شارع قصر النيل، جزء من تاريخ مصر وقطعة من القاهرة الخديوية، يجب أن نذكر هنا أن الدستور يحمى المبانى التراثية، خاصة ذات القيمة التاريخية، فطبقا للمادة خمسين من الدستور «على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية التراث»، وهنا نذكر أن تسجيل أى مبنى فى سجلات حصر المبانى التراثية يعنى إيقاف أى أعمال تتم فيه دون الرجوع إلى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وكذلك لجنة الحصر الخاصة بالمنطقة، وفى حالة إضرار المالك بالمبنى، فهناك إجراءات تتخذ ضده.. وهذا المبنى كما يقال أجريت فيه أعمال، وتمت إزالة حيطان حاملة، مما أهله للسقوط والتدمير فأين كانت الجهات المعنية حينما تم العبث بالعقار وتدميره؟

هذا الذى هدم وسقط جزء عزيز من تاريخ مصر، فكيف حدث هذا؟.. إن الحفاظ على التراث يجب أن يكون من أولوياتنا وهو من أولويات الدول المتقدمة، ومنطقة وسط البلد والقاهرة التاريخية هى بالأساس قطعة من التاريخ يجب الحفاظ عليها والعناية بها، لكن بدلا من هذا يتم التعامل معها بمنتهى الإهمال والاستهانة، حيث تجرى بها أعمال إزالة تعرضها للهدم والسقوط وتقضى على ملمح من ملامح القاهرة التاريخية.

باريس مدينة النور تتميز أكثر ما تتميز بالعمارات القديمة الضخمة التى تتشابه فيما بينها وتعطى ملمحا أساسيا لها... فقد أعاد المهندس جورج أوجين هوسمان فى القرن التاسع عشر تصميم وبناء العاصمة الفرنسية باريس، واستطاع هوسمان إخراج باريس من أجواء القرون الوسطى لتصبح واحدة من المدن الأكثر جاذبية فى العالم، واستطاع تطوير العاصمة لتصبح مدينة حديثة.. هذه هى المهمة التى أوكلت لهوسمان من قبل نابليون الثالث على مدى سبعة عشر عاما بدعم غير محدود... قبل بدء الورشة الواسعة التى أطلقها هوسمان بغرض تحويل باريس، لم يكن لدى المدينة مقومات العاصمة، كما أنها لم تتمكن من إظهار سلطة نابليون الثالث الواسعة.. كان نابليون الثالث مهووسا بتحويل باريس إلى مدينة جميلة ونظيفة.. كانت باريس مثالا لمدن القرون الوسطى بأزقتها الضيقة والمليئة بالأوساخ لذا ائتمن هوسمان لتنفيذ هذه المهمة.. كانت أهداف المشروع تجميل باريس وخلق حركة مواصلات سلسة للمارة والعربات وتسهيل الحركة التجارية، كذلك تحسين الظروف البيئية وحركة مياه وصرف صحى، أيضا أراد نابليون الثالث تجنب حدوث أى ثورة أثناء حكمه، وكانت قد تعاقبت عدة ثورات على فرنسا، لذلك أراد الإمبراطور تقسيم النسيج العمرانى الباريسى بشوارع عريضة وممتدة تؤمن عزلة المناطق، وهكذا انقلبت المدينة رأسا على عقب، قام بالهدم ثم بدأ تشكيل جادات عريضة، كما زاد عدد الجسور على نهر السين وأعاد تخطيط المدينة لتصبح واحدة من أجمل مدن العالم.. مازالت باريس حتى يومنا هذا تحتفظ برونقها، لماذا؟ لأن الترميم والصيانة جزء أساسى من الزمن فى باريس، كل عدة سنوات يتم ترميم أى مبنى وصيانته، ويدفع الملاك لهذه العقارات ثمن هذا الترميم وهذه الصيانة، وهكذا يبقى كل مبنى مصانا ومحافظا عليه ولا يتعرض للتدمير، بل إن الأساس هو المحافظة على المبنى وصيانته، لذلك تبقى باريس كما هى، أما القاهرة فتمتد يد الإهمال لها لأنه لا يوجد نظام للصيانة والترميم بل يترك الأمر للملاك الذين لا يقدمون على أى أعمال صيانة أو ترميم، لأن المبنى بالنسبة لهم لا يحقق مكاسب، وهكذا يتركونه لمصيره وللإهمال وأحيانا للعبث به، كما حدث فى المبنى الذى انهار أخيراً.. هذا هو الفارق بين وجود منظومة تحمى وتحافظ لا منظومة تترك الأمور للقدر والإهمال.. نحن نترك مدينتنا التاريخية للقدر والصدفة وندفع الثمن من تاريخنا الذى يتلاشى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة وباريس القاهرة وباريس



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates