بقلم: كريمة كمال
فتيات التوك توك» ظاهرة انفجرت أخيرا بالقبض على عدد من الفتيات وإحالتهن للمحاكمة وإصدار أحكام ضدهن بالحبس والغرامة.. حنين حسام ومودة الأدهم من الأسماء التي تصدرت أخيرا مواقع التواصل الاجتماعى بأخبار القبض عليهن ومحاكمتهن والحكم عليهن، والتهمة «الإساءة لمبادئ وقيم الأسرة المصرية».. فهل هناك ما يمكن أن نطلق عليه مبادئ وقيم الأسرة المصرية، وهل هذه المبادئ والقيم معروفة ومحددة ومعلنة ويمكن القياس عليها؟!.
والد مودة الأدهم قال: «بنتى مرتكبتش جريمة، لا سرقت ولا فاسدة ولا زنت.. وطالبة جامعية ومتفوقة ومعملتش أكتر من اللى بيعمله كل الشباب في العالم.. لو شايفين إنها غلطت يلوموها مش يحبسوها سنتين وغرامة تلتميت ألف جنيه ويصادروا عربيتها اللى أنا شاريها بفلوسى ويحجزوا على عفش بيتها ويخلونا ندفع إيجار شقة ومنقدرش ننقل العفش ويصادروا أجهزتها الإلكترونية وتليفوناتها ويتحفظوا على فلوسها»، وقال: «إن مودة اتكرمت في دبى على الأزياء، وكانت في ميس إيجيبت، وهى بتعمل دعاية زى شباب كتير، لو شايفين إنها غلطت دا معناه إن الممثلين والمغنين وكل اللى بيعملوا كليبات وأفلام ومسرح يتحاسبوا بقى ما هما بيرقصوا ويغنوا ويعملوا دعاية.. حتى التحريات كلها اترد عليها وناس كتير اتهمت بنتى زور بحاجات محصلتش، وصحفيين كتير نشروا أكاذيب عنها، وقالوا إنها عملت علاقات وشوهوا سمعتها وهى لسه طفلة وبنت بنوت، ودمروا بيوت كتير، ومامتها تعبانة واختها بقت هي كمان تعبانة، وأنا بقت حياتى بين القضايا، وكأن بنتى قتالة قتلة». وطالب برحمة ابنته مؤكدا ان بنته لسه صغيرة وحرام تضيع حياتها في السجن وهى معملتش أي جريمة.
كل هذا والتهمة الإساءة لمبادئ وقيم الأسرة المصرية، فما هي هذه المبادئ والقيم؟ وهل يمكن الاستناد إليها في توجيه الاتهام والحكم بالسجن والغرامة؟ مخالفة القوانين تكون محددة بنصوص محددة، تصبح مخالفتها سببا في توجيه الاتهام، والحكم سواء بالسجن أو الغرامة أو الاثنين معا، أما المبادئ والقيم فهى اشياء هلامية لا يمكن الإمساك بها ولا يمكن تحديدها، بحيث يكون المساس بها مبررا للعقوبة.. المبادئ والقيم أشياء مطاطة لا يمكن الإمساك بها أو حتى تحديد ماهيتها ليكون المساس بها مبررا لعقوبة.. أكثر من هذا من قال إن هذه المبادئ والقيم واحدة لكل الأسر المصرية، من قال إنها لا تختلف من الريف للحضر ومن طبقة لأخرى، بل من أسرة لأسرة، ولكى نعطى مثالا واحدا على حجم الاختلافات بين القيم والمبادئ من أسرة لأخرى دعونا نشاهد أي شاطئ في أي قرية سياحية.. سوف نجد خليطا من المايوه القطعة الواحدة والبيكينى والبوركينى أو المايوة الشرعى.. كل ذلك جنبا إلى جنب، وهو اختلاف واضح في نوع القيم التي تتحكم في كل منها، واختلاف كل منها عن الآخر، أي أن ما يحكمها ليس مبادئ وقيما واحدة، بل عدة قيم ومبادئ شديدة الاختلاف، بل ربما شديدة التناقض.. فكيف لنا أن نحكم على سلوك ما بأنه منافٍ أو فيه إساءة لمبادئ وقيم الأسرة المصرية؟!.
فتيات التوك توك تصرفن بتلقائية أمام الكاميرات أردن أن يقلن إنهن مبدعات، وإنهن يقدمن فنا أو إبداعا أو دعاية الاختلاف، ليس فيما قدمن ولكن في النظرة إلى ما قدمن من إبداع، فهذه النظرة أدانت هذا الإبداع، ووصفته بأنه جريمة، لأنها وجدت فيه خروجا عما سمّته مبادئ وقيم الأسرة المصرية، وهى مبادئ وقيم مطاطة وغير قابلة للتحديد، ولا يمكن الاستناد إليها في توجيه تهمة، ما بالك بالقبض والإحالة للمحاكمة والحكم عليهن بالسجن والغرامة؟!.. القانون له نصوص محددة، مخالفتها واضحة، أما المبادئ والقيم فهى هلامية لا تصلح للحساب، ما بالك بالسجن؟!.