بقلم: كريمة كمال
خرج علينا الملياردير نجيب ساويرس بتصريح قال فيه إن القطاع الخاص مضطر نتيجة لتداعيات انتشار فيروس كورونا الاقتصادية إلى تقليل الرواتب وخفض العمالة وهو ما سبب حالة من الانتقاد شديدة على مواقع التواصل الاجتماعى، والواقع أن الملياردير المصرى كان يتكلم بشكل عملى بحت عن الحالة التى يواجهها رجال الأعمال والقطاع الخاص، والواقع أن هذا مأزق حقيقى لرجال الأعمال فهم ما بين مواجهة الإفلاس أو أن يأتوا على مصالح وحقوق العاملين، إنه مأزق الرأسمالية الآن ما بين التعاطف والتكاتف فى مواجهة أزمة لم تختبرها البشرية من قبل وبين إنقاذ النفس من المصير الحتمى وهو الإفلاس.. مأزق لا يمر به رجال الأعمال فقط، بل تمر به الدول أيضا، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية ما بين إعلان الإجراءات الحادة التى توقف الاقتصاد أو ترك الاقتصاد يعمل وقد عبر ترامب نفسه عن ذلك مفضلا ترك الاقتصاد يعمل، لكنه تراجع أمام رد الفعل الشعبى الذى وجد فى ذلك تضحية بأرواح الأمريكيين فتراجع ترامب واعلن حزمة الاجراءات الحادة والتى توقف حركة الاقتصاد أنه المأزق ما بين الحياة من ناحية والاقتصاد من ناحية أخرى، وهو مأزق مرت به كل دول العالم فى هذه التجربة غير المسبوقة التى لم تعرفها البشرية من قبل.
هذا المأزق الذى يواجه الدول ورجال الأعمال يواجه عامل اليومية الذى يكسب رزقه يوما بيوم، فهو إما أن يجلس فى بيته ويحمى نفسه وأولاده أو ينزل ليلقط رزقه ويعرض نفسه لخطر الإصابة، وهو فى النهاية يرضخ للقمة العيش فينزل للعمل مع قناعته التامة بأن فى هذا تضحية بحياته، لكنه لا يملك رفاهية البقاء فى البيت التى تلح عليها كل الرسائل المرسلة إليه عبر النت أو الإعلام.
مشهد المترو المكدس بالبشر وسط الحديث عن التباعد الاجتماعى هو مأزق آخر أمام هؤلاء الذين يتكدسون، فهم أمام اختيارين، إما أن يفشلوا فى الوصول إلى منازلهم قبل ميعاد الحظر أو أن يتعرضوا للعدوى بالتكدس، وهو اختيار محسوم، فكل منهم يريد أن يعود إلى منزله وليس أمامه سوى التكدس فى المترو قبل أن تأتى ساعة الحظر ويتوقف المترو تماما.. هل هو اختيار أم أنه مأزق معروف نتيجته منذ البداية؟، فلا مفر من التضحية بالنفس للحصول على مكان داخل المترو.
تركز كل القنوات الإعلامية طوال النهار على رسالة محددة وهى أن هذا الفيروس يستهدف كبار السن بالذات، وأن كبار السن هم الضحية المتوقعة له، ولذلك يشعر كل كبير فى السن بالهلع بشكل مبالغ فيه، فهو المستهدف وهو الضحية المرشحة دوما لهذا الفيروس الخطير، والأسوأ أن الرسائل الإعلامية قد ركزت على أنه مع ارتفاع الحالات بشكل كبير ومبالغ فيه كما حدث فى إيطاليا مثلا فقد كان الاختيار ما بين من تمنح له الرعاية الطبية ومن تمنع عنه وأن هذا الاختيار كان يأتى على حساب كبار السن أى مأزق هذا أن تختار من تمنح له الحياة ومن تمنع عنه، إنه مأزق حاد جدا يصعب حتى تصوره.
هناك مأزق آخر سوف نواجهه حقا ما إن تنتهى هذه الأزمة، وهو احتياجنا لخطة بديلة لأولوياتنا فى الفترة المقبلة، بعد هذه الأزمة، فقد كشفت هذه الأزمة عن أولويات ملحة يجب أن ننتبه لها ليس فقط فى المجال الصحى، ولكن أيضا على المستوى الاقتصادى تفرض علينا أن تكون لنا خطة بديلة تغير من الطريق الذى نسير فيه طبقا للأولويات، فما كشفت عنه هذه الأزمة كثير وخطير أيضا.