بقلم: كريمة كمال
قال أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، إن الحكومة تتعامل بشفافية مطلقة في التناول الإعلامى لأزمة فيروس كورونا، وهناك عدة اجتماعات تمت برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، لمتابعة الموقف أولًا بأول، وأضاف هيكل أنه لم تُسجل أي حالات إصابة في مصر قبل أيام، ومع اكتشاف أول حالة تم الإعلان عنها مباشرة، وكذلك تم الإعلان عن حالة ثانية في اليوم التالى، وهما لشخصين أجنبيين، كما تم الإعلان عن اكتشاف الحالة الثالثة لمواطن مصرى قادم من صربيا، وانتقد وزير الإعلام حالة السخرية الشديدة على وسائل التواصل الاجتماعى على مدى الأسابيع الماضية، وهى الحالة التي أعطت انطباعًا لآخرين بأن الحكومة تُخفى حالات إصابة، وهذا غير صحيح، حيث إن منظمة الصحة العالمية تتطابق في بياناتها مع الحكومة المصرية تماما، وأشار إلى أن المصريين يتمتعون بخفة الظل ولكن في مثل تلك الأحوال، التي تمس صحة المواطنين، فإن البعض خارج مصر يترجم تلك السخرية بأنها عدم ثقة في البيانات الرسمية الخاصة بكورونا الصادرة عن الدولة.
الواقع أن هذا الكلام، الذي صدر عن وزير الإعلام في مرحلة سابقة على كشف العديد من الحالات في الأقصر بالذات.
.. إن دل على شىء فإنما يدل على أن هناك بالفعل أزمة ثقة بين المواطن والحكومة، وأن الناس لا تصدق الحكومة وتتشكك فيما تعلنه من بيانات، وأن الناس تتوقع أن الحكمة تُخفى البيانات الحكومية ولا تعلنها، وقد يكون لدى الناس تفسير لذلك بأن الحكومة لا تريد إعلان الحالات الحقيقية حرصا مثلا على التدفق السياحى على مصر الذي من المتوقع أن يتأثر تأثرا كبيرا بزيادة الحالات، من هنا يتصور الناس أن الحكومة تتكتم على عدد الحالات الحقيقية المكتشفة.
هل مثل هذا التفكير وليد أزمة فيروس كورونا أم أنه وليد تاريخ طويل من عدم الثقة، وليد أزمات أخرى ووقائع أخرى وأحداث أخرى على مدى سنوات طويلة تبين للمواطن فيها أن الحكومة لا تعلن الحقيقة بل تتكتم عليها؟ ومن هنا فقد ترسخ لديه أنه لا توجد شفافية في تصرفات الحكومة أو بياناتها أو ما تعلنه، من هنا فقد بات يبدأ بالتشكك في كل ما تعلنه الحكومة، فقد صار لديه التشكك هو الأساس وليس التصديق أو الإيمان بأن الحكومة تتصرف بشفافية.. الأمر ليس وليد اللحظة الآنية بل هو وليد تراث طويل من التشكك والتشكيك بُنى على عدم المصداقية الذي ترسخ من سلسال طويل من الأحداث التي اتصفت بعدم الشفافية، فصار الناس لا يصدقون حتى لو قيلت لهم الحقيقة، فالأساس هو ما ترسخ لديهم من قناعات أنه لا توجد شفافية.
قد تكون الحكومة هذه المرة صادقة وأعلنت البيانات الحقيقية بدليل أنها أعلنت بعد ذلك عن الحالات الأخرى التي تم اكتشافها، لكن المشكلة وضحت بشدة في بداية الأزمة عندما أعلنت الحكومة أنه لا توجد حالات بالمرة، هنا الناس لم تصدق وتشككت لأن الأمر كان غريبًا، خاصة مع انفجار أعداد الحالات في الدول الأخرى، لكن الأساس هنا هو: هل هناك ثقة أم أن هناك عدم ثقة مترسخا ومستقرا لدى الناس؟ الواقع أن الناس لا تثق في الحكومة وتتشكك دائما في كل ما يصدر عنها، ولا يمكننا أن نلوم الناس على ذلك لأن عدم الثقة هذا قد ترسخ نتيجة تصرفات من جانب الحكومة نفسها جعل الناس تتشكك في كل ما يصدر عنها.. الثقة تُبنى على مدى طويل جدا، بينما عدم الثقة يكفيه واقعة واحدة تجعلك تتشكك ليصير التشكك هو القاعدة الثابتة.