قبل صياغة القوانين

قبل صياغة القوانين

قبل صياغة القوانين

 صوت الإمارات -

قبل صياغة القوانين

بقلم - كريمة كمال

قضت محكمة الأسرة فى سوهاج برفض دعوى طلاق سيدة مسيحية من زوجها الذى اعتنق الإسلام وكانت الزوجة تطلب فى الدعوى التى رفعتها أمام المحكمة تطليقها من زوجها الذى أشهر إسلامه تطبيقًا للمادة 51 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس وهى المعروفة باسم لائحة 38 والتى تقضى بـ«إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحى وانقطع الأمل فى رجوعه إليه جاز الطلاق بناء على طلب الزوج الآخر»، لكن المحكمة رفضت الاستناد إلى هذه اللائحة رغم أنها اللائحة التى تم الزواج استنادًا لها فيكون الطلاق استنادًا لها أيضًا.

لماذا قضت المحكمة برفض الدعوى؟ فى حيثيات حكمها أشارت المحكمة إلى أن اعتناق الزوج للإسلام كان سابقًا على رفع الدعوى ومن ثم تكون الشريعة الإسلامية هى المطبقة فى شأن هذه القضية. وهنا نتساءل: أين المبدأ القانونى «العقد شريعة المتعاقدين»؟ فإذا ما كان الزواج قد تم على الشريعة الأرثوذكسية فيجب أن يتم الطلاق طبقًا لها. وهنا يجب أن نؤكد أن الزوج هو من أسلم بينما لم تسلم الزوجة، وهنا يتم فسخ الزواج طبقًا للشريعة التى تم بها هذا الزواج وليس شريعة لاحقة بناء على تغيير دين الزوج.. واللافت هنا أن المحكمة قد فصّلت أسباب حكمها موضحة أن الراجح فى المذهب الحنفى الذى يؤخذ به فى مسائل الأحوال الشخصية أنه لو أسلم الزوج وامرأته من أهل الكتاب بقى النكاح بينهما، ولو أرادت المرأة الكتابية الفرقة فلابد أن يتقرر السبب الموجب لذلك. أى أنه فى مذهب الإمام أبى حنيفة لا يعتبر إسلام الزوج فى حد ذاته ضررًا على الزوجة التى تنتمى إلى ديانة أخرى يوجب تطليقها.

وأنا أتساءل هنا: أين تطبيق الدستور؟ أين المادة الثالثة من الدستور «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية»؟.. أين تطبيق هذه المادة بالذات فيما يخص الأحوال الشخصية؟ وهل سيعوّل عليها فى تطبيق الأحكام أم ستظل المحاكم تحكم استنادًا إلى الشريعة الإسلامية وحدها؟!.

المشكلة هنا ليست حالة فردية بل هى حالة نموذجية تكشف كيف تنحاز القوانين إلى الرجل فيما يخص الأحوال الشخصية! فما بالك لو كانت السيدة مسيحية والرجل مسلمًا، فهذه القوانين تنحاز للرجل فيما يخص حضانة الأم المسيحية لأبنائها من طليقها المسلم، حيث تحرم الأم من الحضانة فى كثير من الأحيان خشية على الطفل من تعاليم ديانة بخلاف ديانة والده، وكذلك الحال فى قضايا المواريث، حيث لا ترث الزوجة المسيحية فى زوجها المسلم.. المشكلة الكبرى هنا هى تديين الأحوال الشخصية واستخدام الشريعة الإسلامية وفقًا لتصورات المؤسسات الإسلامية الرسمية كمحدد لتنظيم علاقات الزواج والحقوق المترتبة عليه حتى لو لم يكن جميع الأطراف المعنيين من المسلمين.

قصة هذه السيدة التى رفضت المحكمة دعوى الطلاق التى رفعتها عنوان على انتهاك حقوق دستورية كحرية العقيدة والمساواة وعدم التمييز ورفض إجبار أحد على الاستمرار فى علاقة أسرية قسرًا ورغمًا عنه.

هناك الكثير والكثير فى قضايا الأحوال الشخصية، وقبل أن تضعوا القوانين استمعوا إلى من يملكون الخبرة فيما يحدث فى الواقع، استمعوا إلى المنظمات العاملة فى مجال حقوق المرأة والنوع الاجتماعى، استمعوا لمن يعرفون حقيقة ما يجرى.. المسألة ليست مجرد نصوص بل واقع صعب يعيشه الكثيرون، واقع يحتاج إلى تغيير حقيقى، فقوانين الأحوال الشخصية ليست مسؤولية المؤسسات التنفيذية والتشريعية والدينية وحدها بل هى مسؤولية المجتمع كله، وهنا يجب دمج المجتمع المدنى فى حوار حقيقى وفى صياغة قوانين الأحوال الشخصية سواء تلك الخاصة بالمسلمين أو تلك الخاصة بالمسيحيين إذا ما كنا جادين فعلًا فى تصحيح الأوضاع التى استمرت مئات السنوات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل صياغة القوانين قبل صياغة القوانين



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:08 2018 الأربعاء ,23 أيار / مايو

طريقة تحضير السبرنغ رول بالخضار

GMT 13:02 2018 الثلاثاء ,03 إبريل / نيسان

المعلمون يعلنون عن أهمية التعلم في الهواء الطلق

GMT 23:21 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

آبل تستعد لبيع هاتفها المليار

GMT 16:04 2016 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

شروط جديدة للراغبين بشراء الوحدات العقارية على الخارطة

GMT 13:41 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

تراجع أعداد الحشرات يُهدّد بحدوث انهيار للطبيعة

GMT 00:46 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إبراهيم عيسى يؤكد أن حراسة النصر مسؤولية كبيرة

GMT 15:56 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

"سم العناكب" يعالج أحد أخطر أنواع السرطان

GMT 14:54 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تطبيق الرسائل الخاص بـ"فيسبوك" يختبر ميزة جديدة

GMT 15:13 2015 الأربعاء ,28 كانون الثاني / يناير

عزيزة يدير ندوة عن مسرح سلماوي في معرض القاهرة

GMT 14:37 2015 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمطار متفرقة على منطقة جازان في السعودية

GMT 08:53 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

صدور "نادى السيارات" للروائى علاء الأسوانى

GMT 22:58 2013 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

صدور 3 كتب عن تاريخ المغرب وشمال أفريقيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates