حضرها ملاك الشعر

حضرها ملاك الشعر

حضرها ملاك الشعر

 صوت الإمارات -

حضرها ملاك الشعر

حسن البطل

رأيتُ كيف يحضرهم (زملائي) شيطان الشعر هذا. سأنسى حضراتهم في حضوره، وسأبحث عن حضوره في شعرهم.. عبثاً!   
.. وفي الغرفة 401 رأيتُ كيف يحضر ملاك الشعر، ما سوف أدعوه، من صبيحة تلك الجمعة 16 أيلول 99، «عروس الشعر». للست فدوى صورتان في بالي لا تطغى عليهما جملة صور فوتوغرافية:   
الأولى: تلك التي ارتسمت من مراسلات بينها (في نابلس) وبين شقيقها ابراهيم طوقان (خلال دراسته البيروتية، خصوصاً). هذه الصورة تشف أكثر فأكثر. صبيّة شفيفة تحاول قرض الشعر أو نظمه وأستاذها - شقيقها، الشغوف بها وبالشعر، يزجرها مداعباً: لا تقولي هذه الكلمة (التعبير) الفصيحة؛ وحاولي هذه الكلمة (العبارة) الأكثر فصاحة.   
الثانية: تلك التي لن تمّحي قطّ: عجوز هشّة الجسم، وضاءة الأسارير، باسمة الثغر (ظلال ابتسامة)، وهي «تؤذّن بينما وجهها مرآة صورة ملاك الشعر.      
لم تكن شمس الصباح أدركت تلك الغرفة في الجناح الغربي من «مستشفى الرعاية الطبية العربية». الصمت أمر سيّد ومطاع، بحركة السبّابة على الشفاه: صمتاً:   
خمس سيدات (بينهن ليانا بدر) وثلاثة رجال (بينهم طبيب القلب محمد البطراوي) كانوا يدوّنون ميلاد قصيدة فدوى. إبرة المصل في ظاهر كفّها الأيسر، ويدها اليسرى على خدها؛ واليمنى تحت رأسها: هكذا ينام الطفل في حضرة أحلامه الوردية. هكذا تأخذ الشاعرة غيبوبة ملاك الشعر.   
في تلك اللحظة حضَرت صورتها من مراسلاتها مع شقيقها. جزعتُ. هل ملاك الشعر هو الإله «ايكاروس» الذي حلّق إلى أمه الشمس بجناحين من الشمع.. فهوى؟   
وجهت إشارة سؤال إلى صديقي الطبيب، فردّ بإشارة جواب نافية.. ومطمئنة!   
هذه هي النسخة الأولية المحققّة، قبل أي تحسين لاحق تولته السيدة ليانا. تتلو لها القصيدة الارتجالية، وتسألها أن تقدّم ما تشاء أو تؤخر:    
«إلى أين تنأين عن جاذبية شيء مقدّر     
«يشدّك قسراً إليه.     
«رويدك:     
«مهما تشبثت أنت بذيل الفرار     
« فما من مفرّ    
«بأي جناحينِ أنت تطيرين هاربة منه؟    
«جناحاك طيري..    
«.. اهربي منه حتى أقاصي المدى «جناحاك من طينة الشمع   
«.. والشمس ملء الأقاصي»                            
***
اعتدلت الشاعرة من سرير المرض. مشت وئيداً إلى كرسيّ قرب النافذة. بينها وبين النافذة حمّالة المصل. بين حمّالة المصل وبينها كانت ليانة تحنو بأبلغ رفق بَنَوي على «الأمّ فدوى». بإبهامها وسبّابتها تدغدغ أديم ذراعها. جلد على عظم، والجلد يرقّ مع التقدم في العمر. ووجه فدوى كان وضّاء حقاً.   
لـ «الوعكة الصحية» وجهها الآخر: صوت واهن. كلمات مقتصدة. يحاكيها الجميع بمرح، وفدوى تجيب بأربع كلمات.. وبعبارة واحدة:   
الكلمات هي: نعم. آه. لا. طيّب.   
العبارة هي: «إن شاء الله.. يا رب».   
انتظرتُ دورة الأسبوع الثانية، فالثالثة.. وهذه هي الجمعة الرابعة، منذ أن رأيت - للمرة الأولى - شاعراً يرتجل قصيدة وهو على فراش المرض. في الغرفة 401 سألتني ليانة: «أرأيت الشريط الوثائقي» اكتشفتُ أن جميع أحبّاء فدوى في الغرفة رأوه ما عداي. آسف. لكن، لا أعتقد أنه أجمل مما أراه.. كأنك الابنة، وكأنها الأم. .. وفي الأفق عمق أبعد ليطير فيه وإليه جناحا فدوى طوقان. 
***
 - دكتور محمد. مِمّ تشكو فدوى بالتحديد؟   
- لا تشكو من شيء.. سوى من العمر.   
«إلى أين تنأين عن جاذبية شيء مقدّر»؟!    
.. لفدوى صورتان لا تمحيان: نبض مراسلاتها الشقيّة مع شقيقها إبراهيم؛ وشاعرة في عامها الثاني والثمانين. المصل في يدها.. وتطير من سريرها مع ملاك الشعر: «الشمس ملء الأقاصي».  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حضرها ملاك الشعر حضرها ملاك الشعر



GMT 01:17 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لبنان والعدوان اللذان شطبتهما 2024...

GMT 01:17 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 01:16 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا للعفو العام.. نعم لسيادة القانون

GMT 01:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

العتاة يلجأون أيضاً

GMT 01:08 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الطبيب الروسي عبد الكريموف مع الملك عبد العزيز

GMT 01:08 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أبعد مما قاله راغب علامة

GMT 01:07 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مستقبل سوريا بين التطمينات والتحديات

GMT 01:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حماية الفسيفساء السورية

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عن عمر يناهز 100 عام
 صوت الإمارات - وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عن عمر يناهز 100 عام

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 09:51 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صفوت يتصدر اللاعبين العرب في التصنيف العالمي للتنس

GMT 02:57 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سجناء دواعش لدى "قسد" يكشفون طرق عمل الخلايا النائمة

GMT 01:44 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تألقي بأجمل الاكسسوارات الفاخرة والمميزة لشتاء 2019

GMT 12:39 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

مقتل 3 أشخاص في غرق قارب في الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates